الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الطلمنكي

                                                                                      الإمام المقرئ المحقق المحدث الحافظ الأثري ، أبو عمر ; أحمد بن [ ص: 567 ] محمد بن عبد الله بن أبي عيسى لب بن يحيى ، المعافري الأندلسي الطلمنكي . وطلمنك بفتحات ونون ساكنة : مدينة استولى عليها العدو قديما .

                                                                                      كان من بحور العلم ، وأول سماعه في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة .

                                                                                      حدث عن : أبي عيسى يحيى بن عبد الله الليثي ، وأبي بكر الزبيدي ، وأبي الحسن بن بشر الأنطاكي ، وأبي جعفر أحمد بن عون الله وأبي عبد الله بن مفرج ، وأبي محمد الباجي ، وخلف بن محمد الخولاني ، وعدة ، وأبي بكر أحمد بن محمد المهندس بمصر ، ومحمد بن يحيى بن عمار بدمياط ، وأبي الطيب بن غلبون ، وأبي القاسم عبد الرحمن الجوهري ، وأبي بكر محمد بن علي الأدفوي ، والفقيه أبي محمد بن أبي زيد ، وأبي جعفر أحمد بن رحمون ، ويحيى بن الحسين المطلبي لقيه بالمدينة ، وأبي الطاهر محمد بن محمد العجيفي ، وأبي العلاء بن ماهان ، وخلق كثير .

                                                                                      حدث عنه : أبو عمر بن عبد البر ، وأبو محمد بن حزم ، وعبد الله بن سهل المقرئ وعدة .

                                                                                      أدخل الأندلس علما جما نافعا ، وكان عجبا في حفظ علوم القرآن : قراءاته ولغته وإعرابه وأحكامه ومنسوخه ومعانيه . صنف كتبا كثيرة في السنة يلوح فيها فضله وحفظه وإمامته واتباعه للأثر .

                                                                                      قال أبو عمرو الداني : أخذ القراءة عن الأنطاكي ، وابن غلبون ، ومحمد بن الحسين بن النعمان . [ ص: 568 ]

                                                                                      قال : وكان فاضلا ضابطا ، شديدا في السنة .

                                                                                      وقال ابن بشكوال : كان سيفا مجردا على أهل الأهواء والبدع ، قامعا لهم ، غيورا على الشريعة ، شديدا في ذات الله ، أقرأ الناس محتسبا ، وأسمع الحديث ، والتزم للإمامة بمسجد منعة ثم خرج ، وتحول في الثغر ، وانتفع الناس بعلمه ، وقصد بلده في آخر عمره ، فتوفي بها . أخبرنا إسماعيل بن عيسى بن محمد بن بقي الحجاري ، عن أبيه قال : خرج أبو عمر الطلمنكي علينا ، ونحن نقرأ عليه ، فقال : رأيت البارحة في منامي من ينشدني :

                                                                                      اغتنموا البر بشيخ ثوى ترحمه السوقة والصيد     قد ختم العمر بعيد مضى
                                                                                      ليس له من بعده عيد

                                                                                      فتوفي في ذلك العام في ذي الحجة ، سنة تسع وعشرين وأربعمائة .

                                                                                      قلت : عاش تسعين عاما سوى أشهر ، وقد امتحن لفرط إنكاره ، وقام عليه طائفة من أضداده ، وشهدوا عليه بأنه حروري يرى وضع السيف ، في صالحي المسلمين ، وكان الشهود عليه خمسة عشر فقيها ، فنصره قاضي سرقسطة في سنة خمس وعشرين وأربعمائة ، وأشهد على نفسه بإسقاط الشهود ، وهو القاضي محمد بن عبد الله بن قرنون . [ ص: 569 ]

                                                                                      وحدث عنه أيضا قاضي سرقسطة عبد الله بن محمد بن إسماعيل ، وقاضي المرية محمد بن خلف بن المرابط ، والخطيب محمد بن يحيى العبدري .

                                                                                      رأيت له كتابا في السنة في مجلدين عامته جيد ، وفي بعض تبويبه ما لا يوافق عليه أبدا مثل : باب الجنب لله ، وذكر فيه : يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله فهذه زلة عالم ، وألف كتابا في الرد على الباطنية ، فقال : ومنهم قوم تعبدوا بغير علم ، زعموا أنهم يرون الجنة كل ليلة ، ويأكلون من ثمارها ، وتنزل عليهم الحور العين ، وأنهم يلوذون بالعرش ، ويرون الله بغير واسطة ، ويجالسونه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية