الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          43 - مسألة : وأن الأنفس حيث رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به أرواح أهل السعادة عن يمين آدم عليه السلام ، وأرواح أهل الشقاء عن شماله عند سماء الدنيا ، لا تفنى ولا تنتقل إلى أجسام أخر ، لكنها باقية حية حساسة عاقلة في نعيم أو نكد إلى يوم القيامة فترد إلى أجسادها للحساب وللجزاء بالجنة أو النار ، حاشا أرواح الأنبياء عليهم السلام وأرواح الشهداء فإنها الآن ترزق وتنعم . ومن قال بانتقال الأنفس إلى أجسام أخر بعد مفارقتها هذه الأجساد فقد كفر . برهان هذا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب أنا يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا ، فلما جئنا السماء الدنيا . قال جبريل عليه السلام لخازن السماء الدنيا افتح ، قال من هذا ؟ قال جبريل ، قال هل معك أحد ؟ قال : نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم قال فأرسل إليه ؟ قال نعم ففتح فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى ، قال : فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح ، فقلت يا جبريل من هذا ؟ قال هذا آدم صلى الله عليه وسلم وهذه الأسودة التي عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ، فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ، قال ثم عرج بي جبريل عليه السلام حتى أتى السماء الثانية . [ ص: 45 ] قال أنس : فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم - صلوات الله عليهم - ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه قد وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة . } وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                          ففي هذا الخبر مكان الأرواح ، وأن أرواح الأنبياء في الجنة . وأما الشهداء فإن الله عز وجل يقول : { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون } وقال تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله } ولا خلاف بين مسلمين في أن الأنبياء عليهم السلام أرفع قدرا ودرجة وأتم فضيلة عند الله عز وجل وأعلى كرامة من كل من دونهم ، ومن خالف في هذا فليس مسلما .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن محمد ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا مات الرجل عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فالجنة ، وإن كان من أهل النار فالنار ، ثم يقال له : هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة } .

                                                                                                                                                                                          ففي هذا الحديث أن الأرواح حساسة عالمة مميزة بعد فراقها الأجساد . وأما من زعم أن الأرواح تنقل إلى أجساد أخر فهو قول أصحاب التناسخ ، وهو كفر عند جميع أهل الإسلام . وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية