الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ولا تلبسوا الحق بالباطل يعني: لا تخلطوا الحق بالباطل، واللبس خلط الأمور، وفيه قوله تعالى: وللبسنا عليهم ما يلبسون [الأنعام: 9] قال ابن عباس : معناه: ولخلطنا عليهم ما كانوا يخلطون، ومنه قول العجاج:


                                                                                                                                                                                                                                        لما لبسن الحق بالتجني غنين واستبدلن زيدا مني



                                                                                                                                                                                                                                        وفي قوله: الحق بالباطل فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: الصدق، وهو قول ابن عباس . والثاني: اليهودية والنصرانية بالإسلام، وهو قول مجاهد. والثالث: الحق: التوراة التي أنزلت على موسى، والباطل: الذي كتبوه بأيديهم. [ ص: 113 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله تعالى: وتكتموا الحق يعني محمدا، ومعرفة نبوته، وأنتم تعلمون أنه في الكتب التي بأيديكم، وهذا قول الجميع. قوله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة أما الصلاة: فقد مضى الكلام فيها. وأما الزكاة: ففي تسمية صدقة الأموال بها، قولان: أحدهما: أنه من تثمير المال وزيادته، ومنه قولهم: زكا الزرع، إذا زاد، ويقال: زكا الفرد إذا صار زوجا بزيادة الزائد عليه حتى صار شفعا كما قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        كانوا خسا أو زكا من دون أربعة     لم يخلقوا وجدود الناس تعتلج



                                                                                                                                                                                                                                        فخسا: الوتر، وزكا: الشفع، وقال الراجز:


                                                                                                                                                                                                                                        فلا خسا عديده ولا زكا     كما شرار البقل أطراف السفا



                                                                                                                                                                                                                                        السفا: شوك البهمى، والبهمى: الشوك الممدود مثل السبلى.

                                                                                                                                                                                                                                        والقول الثاني: أنها مأخوذة من التطهير، ومنه قوله تعالى: (أقتلت نفسا زاكية) [الكهف: 74] أي طاهرة من الذنوب. وفيما يطهر قولان: أحدهما: أنه تطهير المال حتى صار بأداء الحق منه حلالا ولولاه لخبث. الثاني: تطهير نفس المزكي، فكأن المزكي طهر نفسه من الشح والبخل. قوله تعالى: واركعوا مع الراكعين فيه قولان: أحدهما: أنه أراد جملة الصلاة، فعبر عنها بالركوع، كما يقول الإنسان: فرغت من ركوعي، أي من صلاتي. والثاني: أنه أراد الركوع الذي في الصلاة، لأنه لم يكن في صلاة أهل [ ص: 114 ]

                                                                                                                                                                                                                                        الكتاب ركوع، فأمرهم بما لا يفعلونه في صلاتهم. وفي أصل الركوع قولان: أحدهما: أنه مأخوذ من التطامن والانحناء، وهو قول الخليل، وابن زيد ، قال لبيد بن ربيعة:


                                                                                                                                                                                                                                        أخبر أخبار القرون التي مضت     أدب كأني كلما قمت راكع



                                                                                                                                                                                                                                        والثاني: أنه مأخوذ من المذلة والخضوع، وهو قول الأصمعي والمفضل، قال الأضبط بن قريع السعدي:


                                                                                                                                                                                                                                        لا تذل الضعيف علك أن تر     كع يوما والدهر قد رفعه



                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية