الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ؛ نصب " بني إسرائيل " ؛ لأنه نداء مضاف؛ وأصل النداء النصب؛ لأن معناه معنى " ناديت " ؛ و " دعوت " ؛ و " إسرائيل " ؛ في موضع خفض؛ إلا أنه فتح آخره لأنه لا ينصرف؛ وفيه شيئان يوجبان منع الصرف؛ وهما أنه أعجمي؛ وهو معرفة؛ وإذا كان الاسم كذلك لم ينصرف؛ إذا جاوز ثلاثة أحرف؛ عند [ ص: 120 ] النحويين؛ وفي قوله: " نعمتي التي أنعمت عليكم " ؛ وجهان؛ أجودهما فتح الياء؛ لأن الذي بعدها ساكن؛ وهو لام المعرفة؛ فاستعمالها كثير في الكلام؛ فاختير فتح الياء معها؛ لالتقاء الساكنين؛ ولأن الياء لو لم يكن بعدها ساكن كان فتحها أقوى في اللغة؛ ويجوز أن تحذف الياء في اللفظ لالتقاء الساكنين؛ فتقرأ: " نعمت التي أنعمت " ؛ بحذف الياء؛ والاختيار إثبات الياء؛ وفتحها؛ لأنه أقوى في العربية؛ وأجزل في اللفظ؛ وأتم للثواب؛ لأن القارئ يجازى على كل ما يقرؤه من كتاب الله؛ بكل حرف حسنة؛ فإن إثباته أوجه في اللغة؛ فينبغي إثباته لما وصفنا؛ فأما قوله - عز وجل -: هارون أخي اشدد به أزري ؛ فلم يكثر القراء فتح هذه الياء؛ وقال أكثرهم بفتحها مع الألف واللام؛ ولعمري إن اللام المعرفة أكثر في الاستعمال؛ ولكني أقول: الاختيار: " أخي اشدد " ؛ بفتح الياء؛ لالتقاء الساكنين؛ كما فتحوا مع اللام؛ لأن اجتماع ساكنين مع اللام وغيرها معنى واحد؛ وإن حذفت فالحذف جائز حسن؛ إلا أن الأحسن ما وصفنا؛ وأما معنى الآية في التذكير بالنعمة؛ فإنهم ذكروا بما أنعم به على آبائهم من قبلهم؛ وأنعم به عليهم؛ والدليل على ذلك قوله: إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا ؛ فالذين صادفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا أنبياء؛ وإنما ذكروا بما أنعم به على آبائهم؛ وعليهم في أنفسهم؛ وفي آبائهم؛ وهذا المعنى موجود في كلام العرب؛ معلوم عندها؛ يفاخر الرجل الرجل فيقول: " هزمناكم يوم ذي قار " ؛ [ ص: 121 ] ويقول: " قتلناكم يوم كذا " ؛ معناه: قتل آباؤنا آباءكم. وقوله - عز وجل -: وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ؛ معناه - والله أعلم -: قوله: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ؛ فتمام تبيينه أن يخبروا بما فيه من ذكر نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وقد بينا ما يدل على ذكر العهد قبل هذا؛ وفيه كفاية. وقوله - عز وجل -: وإياي فارهبون ؛ نصب بالأمر؛ كأنه في المعنى: " ارهبوني " ؛ ويكون الثاني تفسير هذا الفعل المضمر؛ ولو كان في غير القرآن لجاز: " وأنا فارهبون " ؛ ولكن الاختيار في الكلام؛ والقرآن؛ والشعر: " وإياي فارهبون " ؛ حذفت الياء؛ وأصله: " فارهبوني " ؛ لأنها فاصلة؛ ومعنى " فاصلة " : رأس آية؛ ليكون النظم على لفظ متسق؛ ويسمي أهل اللغة رؤوس الآي: " الفواصل " ؛ وأواخر الأبيات: " القوافي " ؛ ويقال: " وفيت له بالعهد؛ فأنا واف به " ؛ و " أوفيت له بالعهد؛ فأنا موف به " ؛ والاختيار: " أوفيت " ؛ وعليه نزل القرآن كله؛ قال الله - عز وجل -: [ ص: 122 ] وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ؛ وقال: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ؛ وقال: فأوفوا الكيل والميزان ؛ وكل ما في القرآن بالألف؛ وقال الشاعر - في " أوفيت " ؛ و " وفيت " ؛ فجمع بين اللغتين في بيت واحد -:


                                                                                                                                                                                                                                        أما ابن عوف فقد أوفى بذمته ... كما وفى بقلاص النجم حاديها



                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية