الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        يحرم على الجنب ما يحرم على المحدث ، وشيئان : قراءة القرآن ، واللبث في المسجد . فأما القرآن فيحرم ، وإن كان بعض آية على قصد القرآن ، فلو لم يجد الجنب ماء ولا ترابا ، فهل يباح له قراءة الفاتحة في صلاته ؟ وجهان . الأصح : يحرم كما يحرم ما زاد عليها قطعا ، ويأتي بالتسبيح الذي يأتي به من لا يحسن القراءة ، لأنه عاجز شرعا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 86 ] قلت : الأصح الذي قطع به جماهير العراقيين : أنه يجب عليه قراءة الفاتحة ، لأنه مضطر إليها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو قرأ شيئا منه ولم يقصد القرآن ، جاز ، كقوله : بسم الله ، والحمد لله ، أو قال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) الزخرف : الآية 13 . على قصد سنة الركوب . ولو جرى هذا على لسانه ولم يقصد قرآنا ولا ذكرا ، جاز . ويحرم على الحائض والنفساء ما يحرم على الجنب من القراءة على المذهب ، وأثبت جماعة من المحققين قولا قديما أنها لا تحرم .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو كان فم غير الجنب والحائض نجسا ، ففي تحريم القراءة عليه وجهان ، الأصح يكره ولا يحرم . ولا تكره القراءة في الحمام . ويجوز للحائض والجنب قراءة ما يستحب تلاوته . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما اللبث في المسجد ، فحرام على الجنب ، ولا يحرم عليه العبور ، لكن يكره إلا لغرض ، بأن يكون المسجد طريقه إلى مقصده ، أو أقرب الطريقين إليه ، وفي وجه : إنما يجوز العبور إذا لم يكن طريق سواه ، وليس بشيء . ويحرم التردد في جوانبه ، فإنه كالمكث . ويجوز المكث للضرورة ، بأن نام في المسجد ، فاحتلم ولم يمكن الخروج ، لإغلاق الباب ، أو خوف العسس ، أو غيره على النفس ، أو المال . ويجب أن يتيمم إن وجد غير تراب المسجد ، ولا يتيمم بترابه .

                                                                                                                                                                        قلت : يجوز للجنب والحائض النوم في المسجد ، نص عليه الشافعي في ( الأم ) والأصحاب - رحمهم الله - . ولو احتلم في مسجد له بابان ، أحدهما أقرب ، فالأولى أن يخرج منه ، فإن عدل إلى آخر لغرض ، لم يكره ، وإن لم يكن غرض ، لم يكره على الأصح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 87 ] فرع

                                                                                                                                                                        فضل ماء الجنب والحائض طهور لا كراهة في استعماله . ويجوز للجنب أن يجامع ، وأن ينام ، ويأكل ، ويشرب ، لكن يسن أن لا يفعل شيئا من ذلك إلا بعد غسل فرجه والوضوء .

                                                                                                                                                                        قلت : قال أصحابنا : لا يستحب هذا الوضوء ، و [ كذا ] غسل الفرض للحائض والنفساء ، لأنه لا يفيد ، فإذا انقطع دمها ، صارت كالجنب . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية