الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : كيف يهدي الله الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي في " سننه " ، من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال : كان رجل من [ ص: 654 ] الأنصار أسلم ثم ارتد، ولحق بالمشركين ثم ندم، فأرسل إلى قومه : أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ هل لي من توبة؟ فنزلت : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى قوله : فإن الله غفور رحيم فأرسل إليه قومه فأسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، ومسدد في " مسنده " ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والباوردي في " معرفة الصحابة " ، عن مجاهد قال : جاء الحارث بن سويد، فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم كفر، فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه القرآن : كيف يهدي الله قوما كفروا إلى قوله : رحيم . فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه، فقال الحارث : إنك والله ما علمت لصدوق، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك، وإن الله عز وجل لأصدق الثلاثة . فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن السدي في قوله : كيف يهدي الله قوما الآية . قال : أنزلت في الحارث بن سويد الأنصاري، كفر بعد إيمانه ، فأنزل الله فيه هذه الآيات، ثم نزلت : إلا الذين تابوا الآية . فتاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، من وجه آخر، عن مجاهد في قوله : كيف يهدي الله قوما الآية . قال : نزلت في رجل من بني عمرو [ ص: 655 ] بن عوف، كفر بعد إيمانه فجاء الشام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، من طريق ابن جريج ، عن مجاهد في الآية قال : هو رجل من بني عمرو بن عوف، كفر بعد إيمانه . قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال : لحق بأرض الروم فتنصر، ثم كتب إلى قومه : أرسلوا هل لي من توبة؟ فنزلت : إلا الذين تابوا فآمن، ثم رجع .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جريج ، قال عكرمة : نزلت في أبي عامر الراهب والحارث بن سويد بن الصامت ووحوح بن الأسلت، في اثني عشر رجلا رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش ، ثم كتبوا إلى أهلهم : هل لنا من توبة؟ فنزلت : إلا الذين تابوا من بعد ذلك الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر ، عن ابن عباس ، أن الحارث بن سويد قتل المجذر بن زياد، وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة، يوم أحد، ثم لحق بقريش فكان بمكة ، ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه ، فأنزل الله فيه : كيف يهدي الله قوما إلى آخر القصة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 656 ] وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح مولى أم هانئ، أن الحارث بن سويد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لحق بأهل مكة وشهد أحدا فقاتل المسلمين، ثم سقط في يده فرجع إلى مكة ، فكتب إلى أخيه جلاس بن سويد : يا أخي، إني ندمت على ما كان مني، فأتوب إلى الله وأرجع إلى الإسلام، فاذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن طمعت لي في توبة فاكتب إلي . فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم . فقال قوم من أصحابه ممن كان عليه : يتمتع، ثم يراجع الإسلام! فأنزل الله : إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في " المعرفة " ، من طريق السدي الصغير، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، أن الحارث بن سويد بن الصامت رجع عن الإسلام في عشرة رهط فألحقوا بمكة فندم الحارث بن سويد فرجع، حتى إذا كان قريبا من المدينة أرسل إلى أخيه الجلاس بن سويد : إني ندمت على ما صنعت، فاسأل رسول الله : هل لي توبة . فأتى الجلاس النبي فأخبره فأنزل الله : إلا الذين تابوا من بعد ذلك . فأرسل الجلاس إلى أخيه : إن الله قد عرض عليك التوبة . فأقبل إلى المدينة واعتذر إلى رسول الله وتاب إلى الله، وقبل النبي منه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 657 ] وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم . قال : هم أهل الكتاب، عرفوا محمدا صلى الله عليه وسلم، ثم كفروا به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج المحاملي في " أماليه " عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، أن غلاما كان لعبد الله بن مظعون قبطيا أسلم فحسن إسلامه على عهد النبي فأعجب عبد الله بإسلامه، فخرج عقبة فرآه فتى من آل مظعون قد ربط الهميان في وسطه وجز ناصيته فقال : فلان، مالك؟ قال : لا، إلا أنه مر على أهله نصارى فتنصر . فذهب به إلى عمرو بن العاص ، فكتب فيه إلى عمر فكتب عمر رضي الله عنه : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم . حتى ختم الآية . ثم قال : اعرض عليه الإسلام فإن أسلم فخل عنه، وإن أبى فاقتله . فعرض عليه الإسلام فأبى فقتله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن الحسن في الآية قال : هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعت محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم، وأقروا به وشهدوا أنه حق ، فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك، [ ص: 658 ] فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسدا للعرب حين بعث من غيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية