الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب منه

                                                                                                          2206 حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي قال دخلنا على أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال ما من عام إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن الزبير بن عدي ) الهمداني اليامي بالتحتانية كنيته أبو عدي الكوفي ولي قضاء الري ثقة من الخامسة ، وقال في الفتح وهو من صغار التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث يعني حديث الباب ، قوله : ( من الحجاج ) أي ابن يوسف الثقفي الأمير المشهور ، والمراد شكواهم ما يلقون من ظلمه لهم وتعديه ، قد ذكر الزبير في الموفقيات من طريق مجالد عن الشعبي ، قال كان عمر فمن بعده إذا أخذوا العاصي أقاموه للناس ونزعوا عمامته ، فلما كان زياد ضرب في الجنايات بالسياط ، ثم زاد مصعب بن الزبير حلق اللحية ، فلما كان بشر بن مروان سمر كف الجاني بمسمار ، فلما قدم الحجاج قال هذا كله لعب ، فقتل بالسيف ، كذا في الفتح .

                                                                                                          ( فقال ما من عام إلا والذي بعده شر منه ) ، وفي رواية للبخاري : فقال : اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه ( حتى تلقوا ربكم ) أي حتى تموتوا ، وقد ثبت في صحيح مسلم في حديث آخر : واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ، قال الحافظ في الفتح : قال ابن بطال هذا الخبر من أعلام النبوة ، لإخباره صلى الله عليه وسلم بفساد الأحوال وذلك من الغيب الذي لا يعلم بالرأي وإنما يعلم بالوحي انتهى ، وقد استشكل هذا الإطلاق مع أن بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي قبلها ، ولو لم يكن في ذلك إلا زمن عمر بن عبد العزيز ، وهو بعد زمن الحجاج بيسير ، وقد اشتهر الخير الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز ، بل لو قيل إن الشر اضمحل في زمانه لما كان بعيدا ، فضلا عن أن يكون شرا من الزمن الذي قبله ، وقد حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج ، فقال لا بد للناس من تنفيس .

                                                                                                          وأجاب بعضهم : أن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر ، فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة في الأحياء ، وفي [ ص: 374 ] عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا ، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده لقوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني ، وهو في الصحيحين .

                                                                                                          قال الحافظ : ثم وجدت عن عبد الله بن مسعود التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع ، فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول : لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة ، لست أعني رخاء من العيش يصيبه ، ولا مالا يفيده ، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علما من اليوم الذي مضى قبله ، فإذا ذهب العلماء استوى الناس ، فلا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر ، فعند ذلك يهلكون ، ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه قال : لا يأتي عليكم زمان إلا وهو شر مما كان قبله ، أما إني لا أعني أميرا خيرا من أمير ، ولا عاما خيرا من عام ، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفاء ، ويجيء قوم يفتون برأيهم وفي لفظ عنه من هذا الوجه : وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها ، ولكن بذهاب العلماء ، ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه .

                                                                                                          واستشكلوا أيضا زمان عيسى ابن مريم بعد زمان الدجال ، وأجاب الكرماني بأن المراد الزمان الذي يكون بعد عيسى ، والمراد جنس الزمان الذي فيه الأمراء ، وإلا فمعلوم من الدين بالضرورة أن زمان النبي المعصوم لا شر فيه

                                                                                                          قال الحافظ : ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة ما قبل وجود العلامات العظام كالدجال وما بعده ، ويكون المراد بالأزمنة المتفاضلة في الشر من زمن الحجاج فما بعده إلى زمن الدجال ، وأما زمن عيسى عليه السلام فله حكم مستأنف ، ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة ، بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك ، فيختص بهم ، فأما من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور لكن الصحابي فهم التعميم ، فلذلك أجاب من شكا إليه الحجاج بذلك وأمرهم بالصبر أو جلهم من التابعين ، انتهى ما في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري في الفتن .




                                                                                                          الخدمات العلمية