الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 190 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ( 27 ) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ( 28 ) كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ( 29 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما ) عبثا ولهوا ، ما خلقناهما إلا ليعمل فيهما بطاعتنا ، وينتهى إلى أمرنا ونهينا .

( ذلك ظن الذين كفروا ) يقول : أي ظن أنا خلقنا ذلك باطلا ولعبا ، ظن الذين كفروا بالله فلم يوحدوه ، ولم يعرفوا عظمته ، وأنه لا ينبغي أن يعبث ، فيتيقنوا بذلك أنه لا يخلق شيئا باطلا . ( فويل للذين كفروا من النار ) يعني : من نار جهنم . وقوله ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ) يقول : أنجعل الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما أمر الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه ( كالمفسدين في الأرض ) يقول : كالذين يشركون بالله ويعصونه ويخالفون أمره ونهيه .

( أم نجعل المتقين ) يقول : الذين اتقوا الله بطاعته وراقبوه ، فحذروا معاصيه ( كالفجار ) يعني : كالكفار المنتهكين حرمات الله .

وقوله ( كتاب أنزلناه إليك ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : وهذا القرآن ( كتاب أنزلناه إليك ) يا محمد ( مبارك ليدبروا آياته ) يقول : ليتدبروا حجج الله التي فيه ، وما شرع فيه من شرائعه ، فيتعظوا ويعملوا به .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة القراء : ( ليدبروا ) بالياء ، يعني : ليتدبر هذا القرآن من أرسلناك إليه من قومك يا محمد . وقراءة أبو جعفر وعاصم " لتدبروا آياته " بالتاء ، بمعنى : لتتدبره أنت يا محمد وأتباعك .

وأولى القراءتين عندنا بالصواب في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان [ ص: 191 ] صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ( وليتذكر أولو الألباب ) يقول : وليعتبر أولو العقول والحجا ما في هذا الكتاب من الآيات ، فيرتدعوا عما هم عليه مقيمين من الضلالة ، وينتهوا إلى ما دلهم عليه من الرشاد وسبيل الصواب .

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( أولو الألباب ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( أولو الألباب ) قال : أولو العقول من الناس ، وقد بينا ذلك فيما مضى قبل بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية