الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      في السبب الداعي إلى العدول عن الحقيقة إلى المجاز وله فوائد : منها : التعظيم كقوله : سلام على المجلس العالي . ومنها : التحقير لذكر الحقيقة كما في قوله تعالى : { أو جاء أحد منكم من الغائط } ومنها : المبالغة في بيان العبارة على الإيجاز كقوله تعالى : { واشتعل الرأس شيبا } . ومنها : تفهيم المعقول في صورة المحسوس لتلطيف الكلام ، وزيادة الإيضاح ، ويسمى استعارة تخيلية كقوله تعالى : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } .

                                                      [ ص: 57 ] ومنها : زيادة بيان حال المذكور ، نحو رأيت أسدا ، فإنه أبلغ في الدلالة على الشجاعة لمن حكمت عليه في قولك : رأيت إنسانا كالأسد شجاعته . ومنها : تكثير الفصاحة ; لأن فهم المعنى منه يتوقف على قرينة ، وفي ذلك غموض يحوج إلى حركة الذهن ، فيحصل من الفهم شبيه لذة الكسب ، وكذلك ما يدل عليه اللفظ بالالتزام أحسن مما يدل عليه بالمطابقة لما في دلالة الالتزام تصرف الذهن . ومنها : أن لا يكون للمعنى الذي عبر عنه بالمجاز لفظ حقيقي إن قلنا : لا يستلزمه ، أو أن يجهل المتكلم أو المخاطب لفظه الحقيقي ، ومنه قول الفقهاء : إن حشيش الحرم لا يجوز نقله ، وأرادوا الأخضر ، وإلا ففي اللغة أن الرطب يقال له : خلا ، واليابس حشيش فكأن الفقهاء آثروا تسمية الرطب حشيشا مجازا باعتبار ما يئول إليه لكونه أقرب إلى أفهام العامة ، ولجهلهم معنى الخلا ، وبهذا يغلظ من غلطهم ، أو لثقل لفظ الحقيقة على اللسان كالخنفقيق اسم للداهية ، أو تيسير التجنيس والجمع وسائر أصناف البديع . تنبيه اتفق الأدباء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة . قال الجرجاني : وليس ذلك ; لأن المجاز تارة يفيد زيادة في المعنى نفسه لا تفيدها الحقيقة ، بل إنما يفيد تأكيد المعنى . [ ص: 58 ] فليس قولنا : رأيت زيدا يفيد زيادة في مساواته الأسد عن قولنا : رأيت رجلا مساويا للأسد في الشجاعة ، بل قولنا : إن المجاز أبلغ على معنى أنه أفاد تأكيد مساواة لم تفدها الحقيقة . قالوا : والسبب فيه أن الانتقال فيه من اللزوم إلى اللازم ، فيكون إثبات المعنى به كادعاء الشيء بدليله ، ودعوى الشيء بدليله أبلغ من دعواه بلا دليل . ا هـ .

                                                      وأورد عليه أن الاستعارة أصلها التشبيه ، وأن وجه الشبه في المشبه به أتم منه في المشبه ، والاستعارة ليست كذلك بل قولنا : رأيت أسدا يفيد له شجاعة أكثر مما يفيدها قولك : رأيت رجلا كالأسد . وأجيب : بأن هذا لا يرد على مثاله ، وإنما يرد على إطلاقه أنه ليس في المجاز زيادة على الحقيقة ، ويمكن تخصيصه بالمثال . واعلم أن كلام الأصوليين في الترجيح بين الاشتراك والمجاز يقتضي أن البلاغة تارة تكون في الحقيقة ، وتارة في المجاز وهو الحق ، فلا ينبغي إطلاق أن الحقيقة يكون لها من البلاغة ما ليس في المجاز وبالعكس ، ويكون مراد من أطلق : أن المجاز أبلغ من الحقيقة : أن مجاز اللفظ الواحد أبلغ من حقيقة ذلك اللفظ ، وأما مجاز لفظ ، وحقيقة لفظ آخر فلا ، وليس بينهما انتساب ، بل كل واحد في محله له حكم فتفطن له . وقال أبو زكريا التبريزي في " شرح الحماسة " : أكثر كلامهم الاستعارات ، جيدها أحسن من الحقيقة ، وهو مقدم عليها في الاستحسان ، فأما في الأحكام فتقدم الحقيقة على المجاز ، فحصل في هذه المسألة ثلاثة آراء .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية