الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 92 ] فصل

                                                                                                                                                                        في الوقوف وما يتعلق به

                                                                                                                                                                        له مقدمة .

                                                                                                                                                                        فيستحب للإمام إذا لم يحضر بنفسه الحج أن ينصب أميرا على الحجيج ، فيطيعونه فيما ينوبهم . ويستحب للحجيج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف . فمن كان منهم مفردا أو قارنا ، أقام بعد طواف القدوم على إحرامه إلى أن يخرج إلى عرفة . ومن كان متمتعا طاف وسعى وحلق ، فيحل من عمرته ، ثم يهل بالحج من مكة على ما سبق في صورة التمتع ، وكذا يفعل المقيم بمكة . ويستحب للإمام أو منصوبه أن يخطب بمكة في اليوم السابع من ذي الحجة بعد صلاة الظهر خطبة واحدة ، يأمر الناس بالغدو فيها إلى منى ، ويخبرهم بما بين أيديهم من المناسك ، ويأمر المتمتعين أن يطوفوا للوداع قبل الخروج . ولو كان السابع يوم جمعة ، خطب لها وصلاها ، ثم خطب هذه الخطبة ؛ لأن السنة فيها التأخير عن الصلاة . ثم يخرج بهم في اليوم الثامن ، وهو يوم التروية إلى منى ، ويكون خروجهم بعد صلاة الصبح ، بحيث يصلون الظهر بمنى ، هذا هو المشهور .

                                                                                                                                                                        وفي قول : يصلون الظهر بمكة ، ثم يخرجون ، فإن كان يوم التروية يوم جمعة ، استحب أن يخرجوا قبل طلوع الفجر ؛ لأن السفر يوم الجمعة إلى حيث لا تصلى الجمعة حرام أو مكروه كما سبق ، وهم لا يصلون الجمعة بمنى . وكذا لو كان يوم عرفة يوم جمعة ، لا يصلونها ، لأن الجمعة شرطها دار الإقامة . قال الشافعي - رضي الله عنه - : فإن بني بها قرية ، واستوطنها أربعون من أهل الكمال ، أقاموا الجمعة والناس معهم . فإذا خرجوا إلى منى ، صلوا بها الصلوات مع الإمام ، وباتوا بها . وهذا المبيت سنة ، وليس بنسك مجبور بالدم . فإذا طلعت الشمس يوم عرفة على ثبير ساروا إلى [ ص: 93 ] عرفات . فإذا وصلوا نمرة ، ضربت بها قبة الإمام ، فإذا زالت الشمس ، ذهب الإمام والناس [ إلى ] مسجد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فيخطب فيه الإمام خطبتين ، يبين لهم في الأولى ما بين أيديهم من المناسك ، ويحرضهم على إكثار الدعاء والتهليل بالموقف ، ويخفف هذه الخطبة ، لكن لا يبلغ تخفيفها تخفيف الثانية . وإذا فرغ منها ، جلس بقدر سورة ( الإخلاص ) ثم يقوم إلى الخطبة الثانية ، ويأخذ المؤذن في الأذان ، ويخفف الخطبة بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الإقامة .

                                                                                                                                                                        وقيل : مع فراغه من الأذان .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : مع فراغه من الأذان ، وبه قطع الجمهور . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ثم ينزل فيصلي بالناس الظهر ، ثم يقيم المؤذن فيصلي بهم العصر جمعا . فإن كان الإمام مسافرا ، فالسنة له القصر ، ولا يقصر المكيون والمقيمون حولها . فإذا سلم الإمام قال : أتموا يا أهل مكة ، فإنا قوم سفر . وهل يختص الجمع بالمسافرين من الحجيج ، أم يجوز لغيرهم ؟ فيه كلام تقدم في صلاة المسافر . وأشار جماعة : إلى أنه يخطب ويصلي بنمرة . وصرح الجمهور : بأنه يخطب ويصلي بمسجد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كما سبق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية