الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى ( وإن احتاج إليه في بضاعة يتجر فيها ليحصل له ما يحتاج إليه للنفقة ففيه وجهان ، قال أبو العباس بن سريج : لا يلزمه الحج ; لأنه يحتاج إليه هو كالمسكن والخادم ( ومن ) أصحابنا من قال : يلزمه ; لأنه واجد للزاد والراحلة ) .

                                      [ ص: 60 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 60 ] ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا كانت له بضاعة يتكسب بها كفايته وكفاية عياله ، أو كان له عرض تجارة يحصل من غلته كل سنة كفايته وكفاية عياله ، وليس معه ما يحج به غير ذلك ، وإذا حج به كفاه وكفى عياله ذاهبا وراجعا ، ولا يفضل شيء ، فهل يلزمه الحج ؟ فيه هذان الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران : ( أحدهما ) لا يلزمه ، وهو قول ابن سريج ، وصححه القاضي أبو الطيب والروياني ، والشاشي ، قال : لأن الشافعي قال في المفلس : يترك له ما يتجر به لئلا ينقطع ويحتاج إلى الناس ، فإذا جاز أن يقطع له من حق الغرماء بضاعة فجوازه في الحج أولى .

                                      ( والثاني ) وهو الصحيح يلزمه الحج ; لأنه واجد للزاد والراحلة ، وهما الركن المهم في وجوب الحج ، قال الشيخ أبو حامد : ولو لم نقل بالوجوب للزم أن نقول : من لا يمكنه أن يتجر بأقل من ألف دينار لا يلزمه الحج إذا ملكها . وهذا لا يقوله أحد ، قال أصحابنا : والفرق بين هذا وبين المسكن والخادم أنه محتاج إليهما في الحال . وما نحن فيه نجده ذخيرة ، قال المحاملي والأصحاب : وأما ما ذكره الشافعي في باب التفليس فمراده أنه يترك له ذلك برضا الغرماء ، فأما بغير رضاهم فلا يترك ، وهذا الذي صححناه من وجوب الحج هو الصحيح عند جماهير الأصحاب فممن صححه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والماوردي والمحاملي والقاضي حسين في تعليقه والمتولي وصاحب البيان والرافعي وآخرون ، قال صاحب الحاوي : هذا مذهب الشافعي وجمهور أصحابه سوى ابن سريج قال الشيخ أبو حامد : هذا هو المذهب ولا أعرف ما حكي عن ابن سريج عنه ولا أجده في شيء من كتبه ، قال أبو حامد : وقول ابن سريج خلاف للإجماع وقال المحاملي : قول عامة أصحابنا أنه يلزمه الحج ، وما قاله ابن سريج غلط ، وكذا قال القاضي حسين والمتولي وصاحب البيان وآخرون من أصحابنا أن عامة أصحابنا قالوا بالوجوب خلافا لابن سريج ، ونقل إمام الحرمين عن العراقيين أنهم غلطوا ابن سريج في هذا وزيفوا قوله ، وهو كما قالوه . هذا لفظ الإمام ، وبالوجوب قال أبو حنيفة وبعدمه قال أحمد ، وأنكر بعضهم على الشيخ أبي حامد دعواه الإجماع على الوجوب مع [ ص: 61 ] مخالفة أحمد ، وجوابه أنه أراد إجماع من قبله ، وكأنه يقول : إن أحمد وابن سريج محجوجان بالإجماع قبلهما ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية