الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ادعوا ربكم تضرعا وخفية فيه وجهان: أحدهما: في الرغبة والرهبة ، قاله ابن عباس . [ ص: 231 ] والثاني: التضرع: التذلل والخضوع ، والخفية: إخلاص القلب. ويحتمل أن التضرع بالبدن ، والخفية إخلاص القلب. إنه لا يحب المعتدين يعني في الدعاء ، والاعتداء فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن يسأل ما لا يستحقه من منازل الأنبياء ، قاله أبو مجلز. والثاني: أنه يدعو باللعنة والهلاك على من لا يستحق ، قاله مقاتل . والثالث: أن يرفع صوته بالدعاء ، روى أبو عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأشرفوا واد ، فجعل الناس يكبرون ويهللون ويرفعون أصواتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم . قوله عز وجل: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها فيه أربعة أقاويل: أحدها: لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان. والثاني: لا تفسدوها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل. والثالث: لا تفسدوها بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة ، قاله الكلبي . والرابع: لا تفسدوها بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه ، قاله الحسن . وادعوه خوفا وطمعا يحتمل وجهين: أحدهما: خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه. والثاني: خوفا من الرد وطمعا في الإجابة. إن رحمت الله قريب من المحسنين فإن قيل: فلم أسقط الهاء من قريب والرحمة مؤنثة؟ فعن ذلك جوابان. أحدهما: أن الرحمة من الله إنعام منه فذكر على المعنى ، وهو أن إنعام الله قريب من المحسنين ، قاله الأخفش. [ ص: 232 ] والثاني: أن المراد به مكان الرحمة ، قاله الفراء ، كما قال عروة بن حزام:


                                                                                                                                                                                                                                        عشية لا عفراء منك قريبة فتدنو ولا عفراء منك بعيد



                                                                                                                                                                                                                                        فأراد بالبعد مكانها فأسقط الهاء ، وأرادها هي بالقريبة فأثبت الهاء.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية