الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ( 22 ) )

يقول - تعالى ذكره - : أفمن فسح الله قلبه لمعرفته ، والإقرار بوحدانيته ، والإذعان لربوبيته ، والخضوع لطاعته ( فهو على نور من ربه ) يقول : فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين ، بتنوير الحق في قلبه ، فهو لذلك لأمر الله متبع ، وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه ، كمن أقسى الله قلبه ، وأخلاه من ذكره ، وضيقه عن استماع الحق ، واتباع الهدى ، والعمل بالصواب . وترك ذكر الذي أقسى الله قلبه ، وجواب الاستفهام ؛ اجتزاء بمعرفة السامعين المراد من الكلام ، إذ ذكر أحد الصنفين ، وجعل مكان ذكر الصنف الآخر الخبر عنه بقوله : ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) .

[ ص: 278 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) يعني : كتاب الله ، هو المؤمن به يأخذ ، وإليه ينتهي .

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام ) قال : وسع صدره للإسلام ، والنور الهدى .

حدثت عن ابن أبي زائدة عن ابن جريج عن مجاهد ( أفمن شرح الله صدره للإسلام ) قال : ليس المنشرح صدره مثل القاسي قلبه .

قوله : ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) يقول - تعالى ذكره - : فويل للذين جفت قلوبهم ونأت عن ذكر الله وأعرضت ، يعني عن القرآن الذي أنزله - تعالى ذكره - مذكرا به عباده ، فلم يؤمن به ، ولم يصدق بما فيه . وقيل : ( من ذكر الله ) والمعنى : عن ذكر الله ، فوضعت " من " مكان " عن " ، كما يقال في الكلام : أتخمت من طعام أكلته ، وعن طعام أكلته بمعنى واحد .

وقوله : ( أولئك في ضلال مبين ) يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر الله في ضلال مبين ، لمن تأمله وتدبره بفهم أنه في ضلال عن الحق - جائر .

التالي السابق


الخدمات العلمية