الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 281 ] وإذا كاتب المسلم عبده على خمر ، أو خنزير ، أو على قيمة العبد ( س ) ، أو على ألف على أن يرد إليه عبدا بغير عينه فهو فاسد ، فإن أدى الخمر عتق ( ز ) ، وإذا عتق بأداء الخمر فعليه قيمة نفسه لا ينقص عن المسمى ويزاد عليه ، وفيما إذا كاتبه على قيمته يعتق بأداء القيمة . والكتابة على الدم والميتة باطلة ، وعلى الحيوان والثوب كالنكاح ولو كاتب الذمي عبده على خمر جاز ، وأيهما أسلم فللمولى قيمة الخمر .

[ ص: 281 ]

التالي السابق


[ ص: 281 ] فصل

[ الكتابة الفاسدة ]

( وإذا كاتب المسلم عبده على خمر ، أو خنزير ، أو على قيمة العبد ، أو على ألف على أن يرد إليه عبدا بغير عينه فهو فاسد ) لأن الخمر والخنزير ليسا بمال في حق المسلم فلم يصلحا بدلا ، والقيمة مجهولة القدر والجنس والصفة ، فصار كالكتابة على ثوب أو دابة فإنه لا يجوز لتفاحش الجهالة ، كذا هذا . وأما الثالثة فمذهب أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : هي جائزة ويقسم الألف على قيمة المكاتب وعلى قيمة عبد وسط فيبطل منها حصة العبد ويصير مكاتبا بالباقي ، لأنه لو كاتبه على عبد صح وانصرف إلى عبد وسط فكذا يصح استثناؤه منه . ولهما أن المستثنى مجهول فيوجب جهالة المستثنى منه ، ولأن العبد لا يصح مستثنى من الألف ، وإنما المستثنى قيمته ، والقيمة لا تصلح بدلا فلا تصلح مستثنى .

قال : ( فإن أدى الخمر عتق ) باعتبار التعليق ، وإن لم ينص على التعليق ، لأن الفاسد معتبر بالجائز كالبيع . وقال زفر : لا يعتق إلا بأداء قيمة الخمر ، لأن القيمة هي البدل ، وقال أبو يوسف : يعتق بأداء كل واحد منهما ، أما الخمر فلأنه بدل صورة ، وأما البدل فبدل معنى . وعن أبي حنيفة إنما يعتق بأداء عين الخمر إذا قال : إن أديتها فأنت حر . للتنصيص على التعليق ، وفي ظاهر الرواية لم يفصل على ما مر .

قال : ( وإذا عتق بأداء الخمر فعليه قيمة نفسه ) كما قلنا في البيع الفاسد إذا هلك المبيع ، ( لا ينقص عن المسمى ويزاد عليه ) لأنه عقد فاسد فتجب القيمة عند الهلاك بالغة ما بلغت كالمبيع فاسدا ، ولأن المولى ما رضي بالنقصان والعبد رضي بالزيادة خوفا من بطلان العتق فتجب الزيادة .

قال : ( وفيما إذا كاتبه على قيمته يعتق بأداء القيمة ) لأنه هو البدل فيعتق كالخمر ، وأثر [ ص: 282 ] الجهالة في الفساد ، بخلاف ما إذا كاتبه على ثوب حيث لا يعتق بأداء ثوب لفحش الجهالة فإنه لا يدري أي ثوب أراد المولى ، ولا يثبت العتق بدون إرادته .

قال : ( والكتابة على الدم والميتة باطلة ) لأنهما ليسا بمال أصلا ولا موجب لها ، ولو علق العتق بأدائهما عتق بالأداء لوجود الشرط ولا شيء عليه لعدم المالية .

قال : ( و ) الكتابة ( على الحيوان والثوب كالنكاح ) إن عين النوع صح ، وإن أطلق لا يصح وتمامه عرف في النكاح ، ولو علق عتقه بأداء ثوب أو دابة أو حيوان فأدى لا يعتق للجهالة الفاحشة على ما بيناه ، وإن كاتبه على حيوان موصوف فأدى القيمة أجبر على قبولها كما قلنا في المهر .

قال : ( ولو كاتب الذمي عبده على خمر جاز ) إذا ذكر قدرا معلوما ، وكذلك إذا كاتبه على خنزير لأنه مال في حقهم ( وأيهما أسلم فللمولى قيمة الخمر ) لأنه إن كان العبد هو المسلم فهو ممنوع من تمليكها ، وإن كان المولى فهو ممنوع من تملكها فوجبت القيمة ، وأيهما أدى عتق ، لأن القيمة تصلح بدلا كالكتابة على حيوان موصوف فيعتق بأيهما كان .




الخدمات العلمية