الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، وعن علي رضي الله عنه قال : ذكاة السمك والجراد أخذه ، ومراده بيان أن الذكاة ليست بشرط فيهما بل يثبت الحل فيهما بالأخذ من غير ذكاة ، ألا ترى أنه لا تثبت الحرمة بكون الآخذ مجوسيا أو وثنيا ، وما يشترط فيه الذكاة يشترط فيه الأهلية للمذكي ، وحيث لم يشترط في السمك والجراد عرفنا أن الذكاة فيهما ليست بشرط ، كما قال صلى الله عليه وسلم : { أحلت لنا ميتتان ودمان } ، وسئل علي رضي الله عنه عن الجراد يأخذه الرجل من الأرض وفيه الميت وغيره قال : كله كله ، وفي بعض الروايات كله كله فاللفظ الأول تكرار للمبالغة ، والثاني بيان أنه يؤكل كله وبه نأخذ ، وأن الجراد وإن وجد ميتا فلا بأس بأكله ; لأن موته لا بد أن يكون بسبب ، فإنه بحري الأصل بري المعاش ، كما قيل : إن بيض السمك إذا انحصر عنه الماء يصير جرادا ، فإذا مات في البر فقد مات في غير موضع أصله ، وإذا مات في الماء فقد مات في غير موضع معاشه ، وذلك سبب لموته ، والدليل على إباحة أكل الجراد ما روي أن مريم رضي الله عنها سألت لحما هشا فرزقت الجراد ، وأن عمر رضي الله عنه كان مولعا بأكل الجراد حتى قال يوما في مجلسه : ليت لنا قصعة من جراد فنأكله ، أو قال : نقعة .

( وعن ) عمرة قالت : خرجت مع وليدة لنا فاشترينا خريتة بقفيز من حنطة فوضعناها في زنبيل فخرج رأسها من جانب ، وذنبها من جانب فمر بنا علي رضي الله عنه فقال لي : بكم أخذت فأخبرته فقال : ما أطيبه وأرخصه وأوسعه للعيال ففي هذا الحديث دليل على أن الجراد مأكول وبه نأخذ ، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فإنه سئل عن الخريت فقال : فأما نحن ، فلا نرى به بأسا ، فأما أهل الكتاب [ ص: 230 ] فيكرهونه ، وأما الروافض قاتلهم الله تعالى فيأخذون بقول أهل الكتاب ، ويحرمون الخريت ، ويدعون قول علي رضي الله عنه مع دعواهم محبته ، وأهل الكتاب يزعمون أن الخريت من جملة الممسوخات ، وهذا باطل ، فإن الممسوخ لا نسل له ، ولا يبقى بعد ثلاثة أيام بل الخريت نوع من السمك ، والسمك مأكول بجميع أنواعه يثبت الحل فيه بالكتاب والسنة قال الله تعالى : { أحل لكم صيد البحر } وقال صلى الله عليه وسلم : { أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال } فهذا دليل أنه لا بأس للإنسان أن يتكلم مع النساء والإماء بما لا يحتاج إليه ، فإن هذا ليس من جملة ما لا يعنيه ، فإنما الذي لا يعني المرء مما ورد النهي عنه أن يكون فيه مأثم .

( وعن ) إبراهيم رحمه الله قال ما أطيب إهابه وهو كذلك ، وقد قيل : إن أطيب الأشياء من السمك الذنب ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه أتاه عبد أسود فقال : إنني في غنم لأهلي ، وإني سليل الطريق فأسقي من لبنها بغير إذنهم ، فقال : لا ، فقال : إني أرمي الصيد فأصمي وأنمي قال : كل ما أصميت ودع ما أنميت . قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى : الإصماء ما رأيته ، والإنماء ما توارى عنك ، وبه نأخذ ، إلا أن المراد به إذا توارى عنه ، وقعد في طلبه ، فإذا لم يقعد عن طلبه لا يحرم لما بينا أن ما لا يستطاع بالامتناع عنه يكون عفوا ، وفي الحديث دليل أنه ليس للراعي أن يسقي من لبن الغنم بغير إذن أهلها ، فإن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نهاه عن ذلك ، وهذا لأن الراعي أمر بالرعي والحفظ والسقي ومن لبنها بمنزلة هبة عنها ، ولا يجوز له ذلك بدون إذن أهلها ، والذي جاء في الحديث أن { النبي صلى الله عليه وسلم مر براعي الغنم فاستسقاه اللبن } تأويله أن ذلك الراعي كان يرعى غنم نفسه أو كان مأذونا من جهة مالكه بذلك ، وقد عرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم { لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه } .

التالي السابق


الخدمات العلمية