الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أومن ينشأ في الحلية تكرير للإنكار و (من) منصوبة المحل بمضمر معطوف على (جعلوا) وهناك مفعول محذوف أيضا أي أوجعلوا له تعالى من شأنه أن يتربى في الزينة وهن البنات كما قال ابن عباس . ومجاهد . وقتادة . والسدي : ولذا فالهمزة لإنكار الواقع واستقباحه.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز انتصاب (من) بمضمر معطوف على (اتخذ) فالهمزة حينئذ لإنكار الوقوع واستبعاده، وإقحامها بين المعطوفين لتذكير ما في أم المنقطعة من الإنكار، والعطف للتغاير العنواني أي أو اتخذ سبحانه من هذه الصفة الذميمة ولدا وهو مع ما ذكر من القصور في الخصام أي الجدال الذي لا يكاد يخلو عنه إنسان في العادة غير مبين غير قادر على تقرير دعواه وإقامته حجته لنقصان عقله وضعف رأيه، والجار متعلق [ ص: 71 ] بمبين، وإضافة (غير) لا تمنع عمل ما بعدها فيه لأنه بمعنى النفي فلا حاجة لجعله متعلقا بمقدر، وجوز كون من مبتدأ محذوف الخبر أي أومن حاله كيت وكيت ولده عز وجل، وجعل بعضهم خبره جعلوه ولدا لله سبحانه وتعالى أو اتخذه جل وعلا ولدا، وعن ابن زيد أن المراد بمن ينشأ في الحلية الأصنام قال: وكانوا يتخذون كثيرا منها من الذهب والفضة ويجعلون الحلي على كثير منها، وتعقب بأنه يبعد هذا القول قوله تعالى: وهو في الخصام غير مبين إلا إن أريد بنفي الإبانة نفي الخصام أي لا يكون منها خصام فإبانة كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      على لا حب لا يهتدى بمناره



                                                                                                                                                                                                                                      وعندي أن هذا القول بعيد في نفسه وأن الكلام أعني قوله سبحانه: أم اتخذ إلى هنا وارد لمزيد الإنكار في أنهم قوم من عادتهم المناقضة ورمي القول من غير علم، وفي المجيء بأم المنقطعة وما في ضمنها من الإضراب دليل على أن معتمد الكلام إثبات جهلهم ومناقضتهم لا إثبات كفرهم لكنه يفهم منه كما سمعت وتسمع إن شاء الله تعالى، وقرأ الجحدري في رواية (ينشأ) مبنيا للمفعول مخففا، وقرأ الحسن في رواية أيضا (يناشأ) على وزن يفاعل مبنيا للمفعول. والمناشأة بمعنى الإنشاء كالمغالاة بمعنى الإغلاء، وقرأ الجمهور (ينشأ) مبنيا للفاعل، والآية ظاهرة في أن النشوء في الزينة والنعومة من المعايب والمذام وأنه من صفات ربات الحجال فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربأ بنفسه عنه ويعيش كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: اخشوشنوا في اللباس واخشوشنوا في الطعام وتمعددوا وإن أراد أن يزين نفسه زينها من باطن بلباس التقوى،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية