الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر فتح السوس

قيل : ولما نزل أبو سبرة على السوس ، وبها شهريار أخو الهرمزان أحاط المسلمون بها وناوشوهم القتال مرات ، كل ذلك يصيب أهل السوس في المسلمين ، فأشرف عليهم الرهبان والقسيسون فقالوا : يا معشر العرب إن مما عهد إلينا علماؤنا أنه لا يفتح السوس إلا الدجال أو قوم فيهم الدجال ، فإن كان فيكم فستفتحونها .

وسار أبو موسى إلى البصرة من السوس ، وصار مكانه على أهل البصرة بالسوس المقترب بن ربيعة ، واجتمع الأعاجم بنهاوند ، والنعمان على أهل الكوفة محاصرا أهل [ ص: 371 ] السوس مع أبي سبرة ، وزر محاصرا أهل جنديسابور . فجاء كتاب عمر بصرف النعمان إلى أهل نهاوند من وجهه ذلك ، فناوشهم القتال قبل مسيره ، فصاح أهلها بالمسلمين وناوشوهم وغاظوهم ، وكان صافي بن صياد مع المسلمين في خيل النعمان ، فأتى صافي باب السوس فدقه برجله فقال : انفتح بظار ! وهو غضبان ، فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق وتفتحت الأبواب ، ودخل المسلمون ، وألقى المشركون بأيديهم ونادوا : الصلح الصلح . فأجابهم إلى ذلك المسلمون بعدما دخلوها عنوة ، واقتسموا ما أصابوا .

ثم افترقوا فسار النعمان حتى أتى نهاوند ، وسار المقترب حتى نزل على جنديسابور مع زر .

وقيل لأبي سبرة : هذا جسد دانيال في هذه المدينة . قال : وما علي بذلك ! فأقره في أيديهم .

وكان دانيال قد لزم نواحي فارس بعد بخت نصر . فلما حضرته الوفاة ولم ير أحدا على الإسلام أكرم كتاب الله عمن لم يجبه ، فقال لابنه : ائت ساحل البحر فاقذف بهذا الكتاب فيه ، فأخذه الغلام وغاب عنه وعاد وقال له : قد فعلت . قال : ما صنع البحر ؟ قال : ما صنع شيئا . فغضب وقال : والله ما فعلت الذي أمرتك به ! فخرج من عنده وفعل فعلته الأولى . فقال : كيف رأيت البحر صنع ؟ قال : ماج واصطفق . فغضب أشد من الأول وقال : والله ما فعلت الذي أمرتك به . فعاد إلى البحر وألقاه فيه ، فانفلق البحر عن الأرض وانفجرت له الأرض عن مثل التنور ، فهوى فيها ثم انطبقت عليه واختلط الماء ، فلما رجع إليه وأخبره بما رأى قال : الآن صدقت . ومات دانيال بالسوس ، وكان هناك يستسقى بجسده ، فاستأذنوا عمر فيه فأمر بدفنه .

وقيل في أمر السوس : إن يزدجرد سار بعد وقعة جلولاء فنزل إصطخر ومعه سياه في سبعين من عظماء الفرس ، فوجهه إلى السوس والهرمزان إلى تستر ، فنزل سياه الكلتانية ، وبلغ أهل السوس أمر جلولاء ونزول يزدجرد إصطخر ، فسألوا أبا موسى [ ص: 372 ] الصلح ، وكان محاصرا لهم ، فصالحهم وسار إلى رامهرمز ، ثم سار إلى تستر ، ونزل سياه بين رامهرمز وتستر ، ودعا من معه من عظماء الفرس وقال لهم : قد علمتم أنا كنا نتحدث أن هؤلاء القوم سيغلبون على هذه المملكة وتروث دوابهم في إيوانات إصطخر ، ويشدون خيولهم في شجرها ، وقد غلبوا على ما رأيتم ، فانظروا لأنفسكم . قالوا : رأينا رأيك . قال : أرى أن تدخلوا في دينهم . ووجهوا شيرويه في عشرة من الأساورة إلى أبي موسى ، فشرط عليهم أن يقاتلوا معه العجم ولا يقاتلوا العرب ، وإن قاتلهم أحد من العرب منعهم منهم ، وينزلوا حيث شاءوا ، ويلحقوا بأشرف العطاء ، ويعقد لهم ذلك عمر على أن يسلموا ، فأعطاهم عمر ما سألوا ، فأسلموا وشهدوا مع المسلمين حصار تستر . ومضى سياه إلى حصن قد حاصره المسلمون في زي العجم ، فألقى نفسه إلى جانب الحصن ونضح ثيابه بالدم ، فرآه أهل الحصن صريعا فظنوه رجلا منهم ففتحوا باب الحصن ليدخلوه إليهم ، فوثب وقاتلهم حتى خلوا عن الحصن وهربوا ، فملكه وحده . وقيل : إن هذا الفعل كان منه بتستر .

التالي السابق


الخدمات العلمية