الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإنهم أي الشياطين الذين قيض وقدر كل واحد منهم لكل واحد ممن يعشو ليصدونهم أي ليصدون قرناءهم وهم الكفار المعبر عنهم بمن يعش، وجمع ضمير الشيطان لأن المراد به الجنس. وجمع ضمير من رعاية للمعنى كما أفرد أولا رعاية للفظ. وفي الانتصاف أن في هذه الآية نكتتين بديعتين الأولى الدلالة على أن النكرة الواقعة في سياق الشرط تفيد العموم وهي مسألة أضرب فيها الأصوليون وإمام الحرمين من القائلين بإفادتها العموم حتى استدرك على الأئمة إطلاقهم القول بأن النكرة في سياق الإثبات تخص، وقال إن الشرط يعم والنكرة في سياقه تعم وقد رد عليه الفقيه أبو الحسن [ ص: 82 ] علي الأبياري شارح كتابه ردا عنيفا، وفي هذه الآية للإمام ومن قال بقوله كفاية، وذلك أن الشيطان ذكر فيها منكرا في سياق شرط ونحن نعلم أنه إنما أريد عموم الشياطين لا واحد لوجهين. أحدهما أنه قد ثبت أن لكل أحد شيطانا فكيف بالعاشي عن ذكر الله تعالى والآخر من الآية وهو أنه أعيد عليه الضمير مجموعا في قوله تعالى: (وإنهم) فإنه عائد إلى الشيطان قولا واحدا ولولا إفادته عموم الشمول لما جاز عود ضمير الجمع عليه بلا إشكال، فهذه نكتة تجد عند سماعها لمخالفي هذا الرأي سكتة. النكتة الثانية أن فيها ردا على من زعم أن العود على معنى من يمنع من العود على لفظها بعد ذلك واحتج لذلك بأنه إجمال بعد تفسير، وهو خلاف المعهود من الفصاحة وقد نقض ذلك الكندي وغيره بآيات، واستخرج جدي من هذه الآية نقض ذلك أيضا لأنه أعيد الضمير على اللفظ في (يعش. وله) وعلى المعنى في ليصدونهم ثم على اللفظ في حتى إذا جاءنا وقد قدمت أن الذي منع قد يكون اقتصر بمنعه على مجيء ذلك في جملة واحدة وأما إذا تعددت الجمل واستقلت كل بنفسها فقد لا يمنع ذلك انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي كون ضمير (إنهم) عائدا على الشيطان قولا واحدا نظر، فقد قال أبو حيان : الظاهر أن ضمير النصب في وإنهم ليصدونهم عائد على من على المعنى وهو أولى من عود ضمير" (إنهم) " على الشيطان كما ذهب إليه ابن عطية لتناسق الضمائر في (إنهم) وما بعده فلا تغفل عن السبيل المستبين الذي يدعو إليه ذكر الرحمن ويحسبون أي العاشون أنهم أي الشياطين مهتدون أي إلى ذلك السبيل الحق وإلا لما اتبعوهم أو ويحسب العاشون أن أنفسهم مهتدون فإن اعتقاد كون الشياطين مهتدين مستلزم لاعتقاد كونهم كذلك لاتحاد مسلكهما.

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر أن أبا حيان يختار هذا الوجه للتناسق أيضا، والجملة حال من مفعول (يصدون) بتقدير المبتدأ أو من فاعله أو منهما لاشتمالها على ضميريهما أي وإنهم ليصدونهم عن الطريق الحق وهم يحسبون أنهم مهتدون إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية