الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 518 ) مسألة : قال : ( فإذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقتها ) يعني أن الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس قدر ظل طول الشخص ، فذلك آخر وقت الظهر . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : وأي شيء آخر وقت الظهر ؟ قال : أن يصير الظل مثله . قيل له : فمتى يكون الظل مثله ؟ قال : إذا زالت الشمس ، فكان الظل بعد الزوال مثله ، فهو ذاك . ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس ، ثم ينظر الزيادة عليه ، فإن كانت قد بلغت قدر الشخص ، فقد انتهى وقت الظهر ; ومثل شخص الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه ، أو يزيد قليلا ، فإذا أردت اعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ، ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس ، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل ، فهو آخر وقت الظهر ، وأول وقت العصر .

                                                                                                                                            وبهذا قال مالك ، والثوري ، والشافعي ، والأوزاعي ونحوه قال أبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور وداود وقال عطاء : لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس صفرة . وقال طاوس : وقت الظهر والعصر إلى الليل . وحكي عن مالك : وقت الاختيار إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ، ووقت الأداء إلى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدى فيه العصر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في الحضر .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيرا ، فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود ، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى ، ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم . فغضب اليهود والنصارى ، وقالوا : ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء ؟ قال : هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا : لا ؟ قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء } أخرجه البخاري وهذا يدل على أن من الظهر إلى العصر أكثر من العصر إلى المغرب .

                                                                                                                                            ولنا { أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر حين كان الفيء مثل الشراك في اليوم الأول ، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله ، ثم قال : الوقت ما بين هذين } وحديث مالك محمول على العذر بمطر أو مرض ، وما احتج به أبو حنيفة لا حجة له فيه ; لأنه قال : إلى صلاة العصر . وفعلها يكون بعد دخول الوقت وتكامل الشروط ، على أن أحاديثنا قصد بها بيان الوقت ، وخبرهم قصد به ضرب المثل ، فالأخذ بأحاديثنا أولى . قال ابن عبد البر خالف أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس ، وخالفه أصحابه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية