الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 400 ] سورة الأحقاف .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ( 4 ) ) .

قوله تعالى : ( من قبل هذا ) : في موضع جر ؛ أي بكتاب منزل من قبل هذا .

( أو أثارة ) : بالألف ؛ أي بقية ، وأثرة - بفتح الثاء وسكونها ؛ أي ما يؤثر ؛ أي يروى .

قال تعالى : ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( من لا يستجيب له ) : " من " : في موضع نصب بيدعو ، وهي نكرة موصوفة ، أو بمعنى الذي .

قال تعالى : ( قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين ( 9 ) ) .

قوله تعالى : ( ما كنت بدعا ) : أي ذا بدع ؛ يقال : أمرهم بدع ؛ أي مبتدع .

ويجوز أن يكون وصفا ؛ أي ما كنت أول من ادعى الرسالة .

ويقرأ بفتح الدال ، وهو جمع بدعة ؛ أي ذا بدع .

قال تعالى : ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( وكفرتم به ) أي وقد كفرتم فيكون حالا . وأما جواب الشرط فمحذوف ، تقديره : ألستم ظالمين .

ويجوز أن تكون الواو عاطفة على فعل الشرط .

قال تعالى : ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ( 11 ) ) .

قوله تعالى : ( وإذ لم يهتدوا به ) : العامل في " إذ " محذوف ؛ أي إذ لم يهتدوا ظهر عنادهم .

قال تعالى : ( ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ( 12 ) ) .

[ ص: 401 ] قوله تعالى : ( إماما ورحمة ) : حالان من " كتاب موسى " .

قوله تعالى : ( لسانا ) : هو حال من الضمير في مصدق ، أو حال من كتاب ؛ لأنه قد وصف .

ويجوز أن يكون مفعولا لمصدق ؛ أي هذا الكتاب يصدق لسان محمد صلى الله عليه وسلم .

( وبشرى ) : معطوف على موضع " لينذر " .

قال تعالى : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 13 ) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ( 14 ) ) .

قوله تعالى : ( فلا خوف ) : دخلت الفاء في خبر " إن " لما في " الذين " من الإبهام ؛ وبقاء معنى الابتداء بخلاف ليت ولعل . و ( خالدين فيها ) : حال من " أصحاب الجنة " .

و ( جزاء ) : مصدر لفعل دل عليه الكلام ؛ أي جوزوا جزاء ؛ أو هو في موضع الحال .

قال تعالى : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين ( 15 ) ) .

قوله تعالى : ( حسنا ) : هو مفعول ثان لوصى ، والمعنى : ألزمناه حسنا .

وقيل : التقدير : وصية ذات حسن . ويقرأ : حسنا بفتحتين ؛ أي إيصاء حسنا ، أو ألزمناه فعلا حسنا .

ويقرأ إحسانا ؛ أي ألزمناه إحسانا . و ( كرها ) : حال ؛ أي كارهة .

( وحمله ) ؛ أي ومدة حمله ( وفصاله ثلاثون ) : و ( أربعين ) : مفعول بلغ ؛ أي بلغ تمام أربعين .

قال تعالى : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ( 16 ) والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين ( 17 ) أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ( 18 ) ) .

[ ص: 402 ] قوله تعالى : ( في أصحاب الجنة ) : أي هم في عدادهم ، فيكون في موضع رفع . و ( وعد الصدق ) : مصدر وعد ، وقد دل الكلام عليه و ( أف ) : قد ذكر في سبحان و " لكما " تبيين .

( أتعدانني ) - بكسر النون الأولى . وقرئ بفتحها ، وهي لغة شاذة في فتح نون الاثنين ، وحسنت هنا شيئا لكثرة الكسرات . و ( أن أخرج ) أي بأن أخرج . وقيل : لا يحتاج إلى الباء ؛ وقد مر نظيره .

( وهما يستغيثان الله ) : حال ، و " الله " سبحانه : مفعول يستغيثان ؛ لأنه في معنى يسألان . و ( ويلك ) : مصدر لم يستعمل فعله . وقيل : هو مفعول به ؛ أي ألزمك الله ويلك .

و ( في أمم ) : أي في عدادهم ، ومن تتعلق بـ " خلت " .

قال تعالى : ( ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ( 19 ) ) .

قوله تعالى : ( وليوفيهم ) : ما يتعلق به اللام محذوف ؛ أي وليوفيهم أعمالهم - أي جزاء أعمالهم - جازاهم ، أو عاقبهم .

قال تعالى : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( ويوم يعرض ) : أي اذكروا ؛ أو يكون التقدير : ويوم يعرض الذين كفروا على النار يقال : لهم أذهبتم ؛ فيكون ظرفا للمحذوف .

قال تعالى : ( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ( 24 ) تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ( 25 ) ) .

[ ص: 403 ] قوله تعالى : ( مستقبل أوديتهم ) : الإضافة في تقدير الانفصال ؛ أي مستقبلا أوديتهم ، وهو نعت لعارض . و ( ممطرنا ) أي ممطر إيانا فهو نكرة أيضا ، وفي الكلام حذف ؛ أي ليس كما ظننتم بل هو ما استعجلتم به . و ( ريح ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو ريح ، أو هي بدل من ( ما ) .

و ( تدمر ) نعت للريح .

و ( لا ترى ) : بالتاء على الخطاب ، وتسمية الفاعل .

و ( مساكنهم ) : مفعول به . ويقرأ على ترك التسمية بالياء ؛ أي لا يرى إلا مساكنهم - بالرفع ، وهو القائم مقام الفاعل . ويقرأ بالتاء على ترك التسمية ، وهو ضعيف .

قال تعالى : ( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( 26 ) ) .

قوله تعالى : ( فيما إن مكناكم ) : " ما " بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة . و " إن " بمعنى ما النافية وقيل : " إن " زائدة ؛ أي في الذي مكناكم .

قال تعالى : ( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون ( 28 ) ) .

قوله تعالى : ( قربانا ) : هو مفعول اتخذوا ، و " آلهة " بدل منه .

وقيل : " قربانا " مصدر ، و " آلهة " مفعول به ؛ والتقدير : للتقرب بها .

قوله تعالى : ( وذلك إفكهم ) : يقرأ بكسر الهمزة وسكون الفاء ؛ أي ذلك كذبهم .

ويقرأ بفتح الهمزة ، مصدر أفك ؛ أي صرف ، والمصدر مضاف إلى الفاعل أو المفعول . وقرئ : " أفكهم " على لفظ الفعل الماضي ؛ أي صرفهم . ويقرأ كذلك مشددا . وقرئ " آفكهم " ممدودا ؛ أي أكذبهم . وقرئ : " آفكهم " مكسور الفاء ممدود مضموم الكاف ؛ أي صارفهم - . ( وما كانوا ) : معطوف على إفكهم .

قال تعالى : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ( 29 ) ) [ ص: 404 ] قوله تعالى : ( وإذ صرفنا ) : أي واذكر ؛ إذ . و ( يستمعون ) نعت لنفر ، ولما كان النفر جماعة قال : يستمعون ، ولو قال تعالى " يستمع " جاز حملا على اللفظ .

قال تعالى : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ( 33 ) ) .

قوله تعالى : ( ولم يعي ) : اللغة الجيدة : عيي يعيا ، وقد جاء عي يعي .

والباء في ( بقادر ) زائدة في خبر " إن " وجاز ذلك لما اتصل بالنفي ، ولولا ذلك لم يجز .

قال تعالى : ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ( 35 ) ) .

قوله تعالى : ( ساعة ) : ظرف ليلبثوا .

و ( بلاغ ) : أي هو بلاغ ، ويقرأ بلاغا ؛ أي بلغ بلاغا .

ويقرأ بالجر : أي من نهار ذي بلاغ ، ويقرأ " بلغ " على الأمر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية