الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

في رجل إمام مسجد: هل يجوز له أن يكبر أحد خلفه من المؤتمين؟ أو يواضب على السجدة في فجر كل جمعة؟ أو يدعي هو والمؤتمين عقب كل صلاة؟ أفتونا يرحمكم الله ويوفقكم للصواب.

الجواب

الحمد لله. لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام الذي يسمى التبليغ لغير حاجة باتفاق الأئمة، فإن بلالا لم يكن يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره، ولم يكن يبلغ خلف الخلفاء الراشدين، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس مرة وصوته ضعيف، فكان أبو بكر يصلي إلى جنبه يسمع الناس التكبير. فاستدل العلماء بذلك على أنه يشرع التبليغ عند الحاجة، مثل ضعف صوت الإمام ونحو ذلك، فأما بدون الحاجة فاتفقوا على أنه مكروه غير مشروع. [ ص: 316 ]

وتنازعوا في بطلان صلاة من يفعله على قولين، والنزاع في الصحة معروف في مذهب مالك وأحمد وغيرهما، مع أنه مكروه باتفاق المذاهب كلها.

وأما في دعاء الإمام والمأمومين بعد الصلاة جميعا رافعين أصواتهم أو غير رافعين، فهذا ليس من سنة الصلاة الراتبة، ولم يكن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. وقد استحسنه طائفة من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد في وقت صلاة الفجر وصلاة العصر، لأنه لا صلاة بعدها، وبعض الناس يستحبه في أدبار الخمس. لكن الصواب الذي عليه الأئمة الكبار أن ذلك ليس من سنة الصلاة، ولا يستحب المداومة عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعله هو ولا خلفاؤه الراشدون، ولكن كان يذكر الله عقيب الصلاة ويرغب في ذلك، ويجهر بالذكر عقيب الصلاة، كما ثبت في ذلك الأحاديث الصحيحة: حديث المغيرة بن شعبة وعبد الله بن الزبير وغير ذلك.

والناس في هذه المسألة طرفان ووسط:

منهم من لا يستحب ذكرا ولا دعاء، بل بمجرد انقضاء الصلاة يقوم هو والمأمومون كأنهم فروا من قسورة، وهذا ليس بمستحب.

ومنهم من يدعو هو والمأمومون رافعين أيديهم وأصواتهم. وهذا أيضا خلاف السنة. [ ص: 317 ]

والوسط هو اتباع ما جاءت به السنة من الذكر المشروع عقيب الصلاة، ومكث الإمام يستقبل المأمومين على الوجه المشروع. لكن إذا دعوا أحيانا لأمر عارض كاستسقاء أو استنصار أو نحو ذلك فلا بأس بذلك، كما أنهم لو قاموا ولم يذكروا لأمر عارض جاز ذلك ولم يكره، وكل ذلك منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد كان في أكثر الأوقات يستقبل المأمومين بوجهه بعد أن يسلم، وقبل أن يستقبلهم يستغفر ثلاثا ويقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". وكان يجهر بالذكر، كقوله: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وأحيانا كان يقوم عقيب السلام إذا عرض له أمر، كما قام مرة يخطب خطيبا للناس، وقال: "ذكرت ذهيبة كانت عندنا، فكرهت أن تبيت عندي".

التالي السابق


الخدمات العلمية