الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 283 ] وإذا مات المكاتب وترك وفاء أديت مكاتبته وحكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته ويعتق أولاده ، فإن فضل شيء فلورثته ، فإن لم يترك وفاء وترك ولدا ولد في الكتابة سعى كالأب ، وإن ترك ولدا مشترى فإن أدى الكتابة حالا وإلا رد في الرق ( سم ) ، وإذا مات المولى أدى الكتابة إلى ورثته على نجومه ، وإن أعتقه أحدهم لم يعتق ، وإن أعتقوه جميعا عتق ، وإذا عجز المكاتب عن نجم نظر الحاكم ، فإن كان له مال يرجو وصوله أنظره يومين أو ثلاثة ولا يزاد عليها ، وإن لم يكن له جهة عجزه ( س ) وعاد إلى أحكام الرق .

التالي السابق


فصل

[ موت المكاتب ]

( وإذا مات المكاتب وترك وفاء أديت مكاتبته وحكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته ويعتق أولاده ، فإن فضل شيء فلورثته ) روي ذلك عن علي وابن مسعود ، ولأنه عقد معاوضة لا ينفسخ بموت أحدهما وهو المولى فلا ينفسخ بموت الآخر تسوية بينهما كما في البيع ، ولأن [ ص: 284 ] البدل كان في ذمته ولم تبق صالحة لذلك بالموت ، ولهذا حل به الأجل فينتقل إلى التركة كسائر الديون فخلت الذمة ، وخلو الذمة يوجب العتق ، إلا أنه لا يحكم بالعتق حتى يصل المال إلى المولى مراعاة لحقه ، وليتحقق خلو ذمته لاحتمال هلاك تركته قبل الأداء ، فإذا وصل حكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته فيموت حرا ويعتق أولاده تبعا له على ما قدمناه ، فإن فضل شيء فلورثته لأنه حر وهم أحرار .

( فإن لم يترك وفاء وترك ولدا ولد في الكتابة سعى كالأب ) معناه على نجومه ، فإذا أدى حكم بعتق ابنه قبل موته وعتق الوالد لأنه داخل في كتابة ابنه ، لأنه وقت العقد كان من أجزاء الأب متصلا به فورد العقد عليه فدخل في كتابته وكسبه ككسبه فيخلفه في الأداء وصار كما إذا ترك وفاء .

قال : ( وإن ترك ولدا مشترى فإن أدى الكتابة حالا وإلا رد في الرق ) ، وقالا : هو كالمولود في الكتابة لأنه يتكاتب عليه تبعا له فاستويا . ولأبي حنيفة أن المشترى لم يدخل تحت العقد لأن العقد لم يضف إليه لانفصاله عن الأب وقت العقد فلا يسري إليه حكمه ، بخلاف المولود في الكتابة ، لأنه متصل به حالة العقد فسرى العقد إليه ودخل في حكمه فسعى في نجومه ، إلا أن المشتري إذا أدى في الحال يصير كأن المكاتب مات عن وفاء فيحكم بعتقه آخر عمره فيعتق ولده تبعا على ما بينا .

قال : ( وإذا مات المولى أدى الكتابة إلى ورثته على نجومه ) لأنهم يخلفونه في الاستيفاء ، ( وإن أعتقه أحدهم لم يعتق ) لعدم الملك فإنه لا يملك بسائر أسباب الملك فكذا بالإرث .

( وإن أعتقوه جميعا عتق ) لأنه يصير إبراء عن بدل الكتابة ، لأن الإرث يجري في البدل ، والإبراء عنه موجب للعتق كما لو أبرأه المولى إلا أن إعتاق البعض لا يوجب إسقاط نصيب من البدل ، لأنه لا يمكن جعله إبراء مقتضى للعتق ولا عتق ، فإنه لو أعتقه البعض لا يعتق ، ولا يمكن أن يجعله إبراء عن الكل لتعلق حق الغير به .

قال : ( وإذا عجز المكاتب عن نجم نظر الحاكم ، فإن كان له مال يرجو وصوله أنظره [ ص: 285 ] يومين أو ثلاثة ولا يزاد عليها ) لأن في ذلك نظرا للجانبين ، والثلاث مدة تضرب لإبلاء الأعذار كما في إمهال المديون للقضاء ونحوه ( وإن لم يكن له جهة عجزه وعاد إلى أحكام الرق ) ، وقال أبو يوسف : لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان . وهو مأثور عن علي رضي الله عنه . ولهما أن العجز سبب للفسخ وقد تحقق ، فإن من عجز عن نجم كان عن نجمين أعجز ، ولأنه فات مقصود المولى وهو وصول المال إليه عند حلول النجم فلم يكن راضيا فيفسخ ، واليومان والثلاثة لا بد منهما لإمكان الأداء وليس بتأخير ، والأثر معارض بما روي : أن ابن عمر رضي الله عنهما عجز مكاتبة له حين عجزت عن نجم واحد وردها إلى الرق فتعارضا . فإن عجز عن نجم عند غير القاضي فرده مولاه برضاه جاز ، لأن الفسخ بالتراضي يجوز من غير عذر فبعذر أولى ، وإن أبى العبد ذلك فلا بد من القضاء بالفسخ لأنه عقد لازم فلا بد في فسخه من القاضي أو الرضا كسائر العقود ، وإذا فسخه عاد إلى أحكام الرق ، لأن بالفسخ تصير الكتابة كأن لم تكن ، وما في يده من أكسابه لمولاه لأنها كسب عبده ، والله أعلم .




الخدمات العلمية