الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4655 (9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

                                                                                              [ 2474 ] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 237 )، ومسلم (2566) (37).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (9) ومن باب : ثواب التحابب والتزاور في الله تعالى

                                                                                              (قوله : " أين المتحابون بجلالي ") هذا نداء تنويه وإكرام ، ويجوز أن يخرج هذا الكلام مخرج الأمر لمن يحضرهم مكرمين منوها بهم . و (لجلالي) روي باللام وبالباء ، ومعناهما متقارب ، لأن المقصود بهما هنا : السببية ، أي : لعظيم حقي وحرمة طاعتي ، لا لغرض من أغراض الدنيا .

                                                                                              [ ص: 542 ] و (قوله : " اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ") قيل : هذه الإضافة إضافة تشريف وإكرام ؛ إذ الظلال كلها ملكه وخلقه .

                                                                                              قلت : وأولى من هذا التأويل : أنه يعني به : ظل العرش ؟ كما قد جاء في رواية أخرى . فيعني - والله تعالى أعلم - : أن في القيامة ظلالا بحسب الأعمال الصالحة تقي صاحبها من وهج الشمس ولفح النار ، وأنفاس الخلق ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الرجل في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس " ، ولكن ظل العرش أعظم الظلال وأشرفها ، فيخص الله به من يشاء من صالح عباده ، ومن جملتهم المتحابون لجلال الله . فإن قيل : كيف يقال : في القيامة ظلال بحسب الأعمال ؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " ، وهو ظل العرش المذكور في الحديث ؟ قلنا : يمكن أن يقال : كل ظل في القيامة إنما هو له ، لأنه بخلقه واختراعه بحسب ما يريده تعالى من إكرام من يخصه به ؛ فعلى هذا يكون كل واحد من هؤلاء السبعة في ظل يخصه ، وكلها ظل الله ، لا ظل غيره ؛ إذ ليس لغيره هنالك ظل ، ولا يقدر له على سبب . ويحتمل أن يقال : إنه ليس هنالك إلا ظل واحد ، وبه يستظل المؤمنون ، لكن لما كان الاستظلال بذلك الظل لا ينال إلا بالأعمال الصالحات نسب لكل عمل ظل ؛ لأنه به وصل إليه . والله تعالى أعلم . وهذا كله بناء على أن الظلال حقيقة لا مجاز ، وهو قول جمهور العلماء . وقال [ ص: 543 ] عيسى بن دينار : إن معناه : يكنهم من المكاره ، ويجعلهم في كنفه وستره ، كما يقول : أنا في ظلك . أي : في ذراك وسترك .




                                                                                              الخدمات العلمية