الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا ينكرون تعظيمه عنادا وإن كانوا يقرون بذلك في بعض الأوقات، قال مؤكدا لذلك وتنبيها على أنه أهل لأن يقسم به، ويزاد في تعظيمه لأنه لا كلام يشبه، بل ولا يدانيه بوجه: وإنه أي القرآن، وقدم الظرفين على الخبر المقترن باللام اهتماما بهما ليفيد بادئ بدء أن علوه وحكمته ثابتة في الأم وأن الأم في غاية الغرابة عنده في أم الكتاب أي كائنا في أصل كل كتاب سماوي، وهو اللوح المحفوظ، وزاد في شرفه بالتعبير بلدي التي هي لخاص الخاص وأغرب المستغرب ونون العظمة فقال [ ص: 381 ] مرتبا للظرف على الجار ليفيد أن أم الكتاب من أغرب الغريب الذي عنده لدينا على ما هو عليه هناك لعلي

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان العلي قد يتفق علوه ولا تصحبه في علوه حكمة، فلا يثبت له علوه، فيتهور بنيانه وينقص سفوله ودنوه، قال: حكيم أي بليغ في كل من هاتين الصفتين راسخ فيهما رسوخا لا يدانيه فيه كتاب فلا يعارض في علي لفظه، ولا يبارى في حكيم معناه، ويعلو ولا يعلى عليه بنسخ ولا غيره، بل هناك مكتوب بأحرف وعبارات فائقة رائقة تعلو عن فهم أعقل العقلاء، ولا يمكن بوجه أن يبلغها أنبل النبلاء، إلا بتفهيم العلي الكبير، الذي هو على كل شيء قدير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أخر سبحانه بامتحان خلف بني إسرائيل في شكهم في كتابهم بقوله: وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ووصى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتبري من سيئ حالهم والتنزه عن سوء محالهم فقال ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنـزل الله من كتاب الآية وتكرر الثناء على الكتاب العربي كقوله وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا وقوله الله الذي أنـزل الكتاب بالحق والميزان وقوله وكذلك أوحينا إليك روحا [ ص: 382 ] من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا - إلى آخر السورة، أعقب ذلك بالقسم به وعضد الثناء عليه فقال حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ولما أوضح عظيم حال الكتاب وجليل نعمته به، أردف ذلك بذكر سعة عفوه وجميل إحسانه إلى عباده ورحمتهم بكتابه مع إسرافهم وقبيح مرتكبهم فقال: أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين ولما قدم في الشورى قوله لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما فأعلم أن ذلك إنما يكون بقدرته وإرادته، والجاري على هذا أن يسلم الواقع من ذلك ويرضى بما قسم واختار، عنف تعالى في هذه السورة من اعتدى وزاغ فقال وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم فكمل الواقع هنا بما تعلق به، وكذلك قوله تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض وقوله في الزخرف ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة إلى آخره - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية