الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم ) قد ذكرنا أن المعبود قد يعبده قوم لدفع الضرر ، وجمع لتوقع المنفعة ، وقليل من الأشراف الأعزة يعبدونه لأنه يستحق العبادة لذاته فلما بين أنه لا يعبد غير الله لدفع الضرر إذ لا دافع للضرر غيره بقوله : ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ) وبين أنه لا يعبد غير الله لتوقع المنفعة بقوله : ( قل من يرزقكم من السماوات والأرض ) بين ههنا أنه لا يعبد أحد لاستحقاقه العبادة غير الله فقال : ( قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم ) أي هو المعبود لذاته ، واتصافه بالعزة وهي القدرة الكاملة ، والحكمة وهي العلم التام الذي عمله موافق له .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 224 ]

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون )

                                                                                                                                                                                                                                            لما بين مسألة التوحيد شرع في الرسالة فقال تعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة ) وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : كافة ؛ أي : إرساله كافة ؛ أي : عامة لجميع الناس تمنعهم من الخروج عن الانقياد لها .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : كافة أي أرسلناك كافة تكف الناس أنت من الكفر ، والهاء للمبالغة على هذا الوجه ( بشيرا ) أي تحثهم بالوعد ( ونذيرا ) تزجرهم بالوعيد ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ذلك لا لخفائه ولكن لغفلتهم .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) لما ذكر الرسالة بين الحشر .

                                                                                                                                                                                                                                            وقال : ( قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ) قد ذكرنا في سورة الأعراف أن قوله : ( لا تستأخرون ) يوجب الإنذار ؛ لأن معناه عدم المهلة عن الأجل ولكن الاستقدام ما وجهه ؟ وذكرنا هناك وجهه ونذكر ههنا أنهم لما طلبوا الاستعجال بين أنه لا استعجال فيه كما لا إمهال ، وهذا يفيد عظم الأمر وخطر الخطب ، وذلك لأن الأمر الحقير إذا طالبه طالب من غيره لا يؤخره ولا يوقفه على وقت بخلاف الأمر الخطير وفي قوله تعالى : ( لكم ميعاد يوم ) قراءات :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : رفعهما مع التنوين وعلى هذا "يوم" بدل .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : نصب يوم مع رفع ميعاد والتنوين فيهما ، "ميعاد يوما" قال الزمخشري : ووجهه أنه منصوب بفعل محذوف كأنه قال : ميعاد أعني يوما وذلك يفيد التعظيم والتهويل ، ويحتمل أن يقال نصب على الظرف تقديره لكم ميعاد يوما كما يقول القائل : أنا جائيك يوما وعلى هذا يكون العامل فيه العلم كأنه يقول : لكم ميعاد تعلمونه يوما ، وقوله معلوم يدل عليه كقول القائل : إنه مقتول يوما .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالثة : الإضافة لكم ميعاد يوم كما في قول القائل سحق ثوب للتبيين ، وإسناد الفعل إليهم بقوله : ( لا تستأخرون عنه ) بدلا عن قوله : " لا يؤخر عنكم " زيادة تأكيد لوقوع اليوم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية