الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كل راكب شيئا من هذين الصنفين مستحضرا كل حين أنه ينقلب بطن شقة أسفاره إلى محل قراره، ذكرهم سبحانه بذلك أن ظهر هذه الأرض لهم مثل ظهور السفن والدواب يسبحون بها في لجج أمواج الزمان وتصاريف الحدثان، هم على ظهرها مسافرون، ولكنهم لطول الإلف عنه غافلون، وقليلا ما يذكرون، وأنهم على خطر فيما صاروا إليه من ظهور هذه الأشياء يوشك أن يكون سبب موتهم ومثير هلكهم وقوتهم، فقال عاطفا على ما تقديره: فمن ربنا كان ابتداؤنا لا نعلم شيئا ولا نقدر على شيء، والآن نحن متى شئنا ساكنون، ومهما أردنا منتشرون وإنا إلى ربنا المحسن إلينا بالبداءة والإقرار على هذه التنقلات على هذه المراكيب لا إلى غيره لمنقلبون أي لصائرون ومتوجهون وسائرون بالموت وما بعده إلى الدار الآخرة انقلابا لا إياب معه إلى هذه الدار، فالآية منبهة بالسير الدنيوي على السير الأخروي، وأكد لأجل إنكارهم للبعث حتى لا يزالوا مراقبين [ ص: 397 ] للمنعم عليهم، ويجوز أن يكون المعنى أنه لما أمرهم بالمراقبة على نعمة الركوب، عبر بالانقلاب تذكيرا بنعمته عليهم في حال الدعة والسكون قبل الانقلاب وبعده، أي وإنا بعد رجوعنا إلى نعمة ربنا لمنقلبون أي وإنا في نعمة في كل حال، روى أحمد وأبو داود والترمذي - وقال: حسن صحيح - والنسائي عن علي رضي الله عنه أنه وضع رجله في الركاب وقال: بسم الله، فلما استوى على الدابة قال: الحمد لله الذي سخر لنا هذا - الآية، ثم حمد الله ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي، ثم ضحك، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثله، وقال: "يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري"

                                                                                                                                                                                                                                      روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابة، فلما استوى عليها كبر ثلاثا وحمد الله ثلاثا وسبح ثلاثا وهلل الله واحدة ثم استلقى عليه فضحك ثم أقبل علي فقال: ما من امرئ مسلم يركب دابته فيصنع كما صنعت إلا أقبل الله عليه يضحك إليه كما ضحكت إليك" وروى أحمد ومسلم وأبو داود [ ص: 398 ] والنسائي والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته ثلاثا ثم قال: "سبحان الذي سخر لنا هذا الآية، ثم يقول: اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا السفر واطو لنا البعيد، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا، وكان إذا رجع إلى أهله قال: آيبون تائبون إن شاء الله عابدون لربنا حامدون"

                                                                                                                                                                                                                                      وروى أحمد عن أبي لاس الخزاعي رضي الله عنه قال: "حملنا رسول الله صلى الله عليه وآله على إبل من إبل الصدقة إلى الحج، فقلنا: يا رسول الله! ما نرى أن تحملنا هذه، فقال: ما من بعير إلا في ذروته شيطان فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما أمركم ثم امتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله عز وجل" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية