الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم ) ، الحياء : تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم ، ومحله الوجه ، ومنبعه من القلب ، واشتقاقه من الحياة ، وضده : القحة ، والحياء والاستحياء والانخزال والانقماع والانقلاع متقاربة المعنى ، فتنوب كل واحدة منها مناب الأخرى . أن : حرف ثنائي الوضع ينسبك منه مع الفعل الذي يليه مصدر ، وعمله في المضارع النصب إن كان معربا ، والجزم بها لغة لبني صباح ، وتوصل أيضا بالماضي المتصرف ، وذكروا أنها توصل بالأمر ، وإذا نصبت المضارع فلا يجوز الفصل بينهما بشيء . وأجاز بعضهم الفصل بالظرف ، وأجاز الكوفيون الفصل بينها وبين معمولها بالشرط . وأجازوا أيضا إلغاءها وتسليط الشرط على ما كان يكون معمولا لها لولاه ، وأجاز الفراء تقديم معمول معمولها عليها ، ومنعه الجمهور . وأحكام " أن " الموصولة كثيرة ، ويكون أيضا حرف تفسير خلافا للكوفيين ، إذ زعموا أنها لا تأتي تفسيرا ، وسيأتي الكلام على التفسيرية عند قوله تعالى : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي ) ، إن شاء الله - تعالى - . وتكون " أن " أيضا زائدة وتطرد زيادتها بعد لما ، ولا تفيد إذ ذاك غير التوكيد ، خلافا لمن زاد على ذلك أنها تفيد اتصال الفعل الواقع جوابا بالفعل الذي زيدت قبله ، وبعد القسم قبل لو والجواب خلافا لمن زعم أنها إذ ذاك رابطة لجملة القسم بالمقسم عليه إذا كان لو والجواب ، ولا تكون " أن " للمجازاة خلافا للكوفيين ، ولا بمعنى إن المكسورة المخففة من الثقيلة خلافا للفارسي ، ولا للنفي ، ولا بمعنى إذ ، ولا [ ص: 119 ] بمعنى لئلا خلافا لزاعمي ذلك . وأما أن المخففة من الثقيلة فحرف ثلاثي الوضع ، وسيأتي الكلام عليه عند أول ما يذكر ، إن شاء الله - تعالى - . والضرب : إمساس جسم بجسم بعنف ويكنى به عن السفر في الأرض ويكون بمعنى الصنع والاعتمال . وروي ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ذهب .

والبعوضة : واحد البعوض ، وهي طائر صغير جدا معروف ، وهو في الأصل صفة على فعول كالقطوع فغلبت ، واشتقاقه من البعض بمعنى القطع . أما : حرف ، وفيه معنى الشرط ، وبعضهم يعبر عنها بحرف تفصيل ، وبعضهم بحرف إخبار ، وأبدل بنو تميم الميم الأولى ياء فقالوا : أيما . وقال سيبويه في تفسير أما : أن المعنى مهما يكن من شيء ، فزيد ذاهب ، والذي يليها مبتدأ وخبر وتلزم الفاء فيما ولي الجزاء الذي وليها ، إلا إن كانت الجملة دعاء فالفاء فيما يليها ولا يفصل بغيرها من الجمل بينها وبين الفاء ، وإذا فصل بها فلا بد من الفصل بينها وبين الجملة بمعمول يلي أما ، ولا يجوز أن يفصل بين أما وبين الفاء بمعمول خبر أن وفاقا لسيبويه وأبي عثمان ، وخلافا للمبرد وابن درستويه ، ولا بمعمول خبر ليت ولعل خلافا للفراء . ومسألة أما علما فعالم يلزم أهل الحجاز فيه النصب وتختاره تميم ، وتوجيه هاتين المسألتين مذكور في النحو . الحق : الثابت الذي لا يسوغ إنكاره . حق الأمر : ثبت ووجب ، ومنه : ( حقت كلمة ربك ) ، والباطل مقابله ، وهو المضمحل الزائل ، ماذا : الأصل في ذا أنها اسم إشارة ، فمتى أريد موضوعها الأصلي كانت ماذا جملة مستقلة ، وتكون ما استفهامية في موضع رفع بالابتداء وذا خبره . وقد استعملت العرب ماذا ثلاثة استعمالات غير الذي ذكرناه أولا ، أحدها : أن تكون " ما " استفهاما وذا موصولا بدليل وقوع الاسم جوابا لها مرفوعا في الفصيح ، وبدليل رفع البدل ، قال الشاعر :


ألا تسألان المرء ماذا يحاول أنحب فيقضى أم ضلال وباطل



الثاني : أن تكون ماذا كلها استفهاما ، وهذا الوجه هو الذي يقول بعض النحويين فيه : إن ذا لغو ولا يريد بذلك الزيادة بل المعنى أنها ركبت مع ما وصارت كلها استفهاما ، ويدل على هذا الوصف وقوع الاسم جوابا لها منصوبا في الفصيح ، وقول العرب : عماذا تسأل بإثبات ألف ما ، وقول الشاعر :


يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم     لا يستفقن إلى الديرين تحنانا



ولا يصح موصولية ذا هنا ، الثالث : أن تكون ما مع ذا اسما موصولا ، وهو قليل ، قال الشاعر :


دعي ماذا علمت سأتقيه     ولكن بالمغيب نبئيني



فعلى هذا الوجه والأول يكون الفعل بعدها صلة لا موضع له من الإعراب ولا يتسلط على ماذا ، وعلى الوجه الثاني يتسلط على ماذا إن كان مما يمكن أن يتسلط . وأجاز الفارسي أن تكون ماذا نكرة موصوفة وجعل منه : دعي ماذا علمت . الإرادة : طلب نفسك الشيء وميل قلبك إليه ، وهي نقيض الكراهة ، ويأتي الكلام عليها مضافة إلى الله - تعالى - إن شاء الله . الفسوق : الخروج ، فسقت الرطبة : خرجت ، والفاسق شرعا : الخارج عن الحق ، ومضارعه جاء على يفعل ويفعل . النقض : فك تركيب الشيء ورده إلى ما كان عليه أولا ، فنقض البناء هدمه ، ونقض المبرم حله . والعهد : الموثق ، وعهد إليه في كذا : أوصاه به ووثقه عليه . والعهد في لسان العرب على ستة محامل : الوصية ، والضمان ، والأمر ، والالتقاء ، والرؤية ، والمنزل . والميثاق : العهد المؤكد باليمين . والميثاق والتوثقة كالميعاد بمعنى الوعد ، والميلاد بمعنى الولادة . الخسار : النقصان أو الهلاك ، كيف : اسم ، ودخول حرف الجر عليها شاذ ، وأكثر ما تستعمل استفهاما ، والشرط بها قليل ، والجزم بها غير مسموع من العرب ، فلا نجيزه قياسا ، خلافا للكوفيين وقطرب ، وقد ذكر خلاف فيها : أهي ظرف أم اسم غير ظرف ؟ والأول عزوه إلى سيبويه ، [ ص: 120 ] والثاني إلى الأخفش والصيرافي ، والبدل منها والجواب إذا كانت مع فعل مستغن منصوبان ، ومع ما لا يستغنى مرفوع إن كان مبتدأ ، ومنصوب إن كان ناسخا . أمواتا : جمع ميت ، وهو أيضا جمع ميتة ، وجمعهما على أفعال شذوذ ، والقياس في فيعل إذا كسر فعائل . الاستواء : الاعتدال والاستقامة ، استوى العود وغيره : إذا استقام واعتدل ، ثم قيل : استوى إليه كالسهم المرسل ، إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوي على شيء ، والتسوية : التقويم والتعديل .

التالي السابق


الخدمات العلمية