الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله عمن وكل وكيلا في بيع دار وفي قبض الثمن والتسليم والمكاتبة والإشهاد على الترسيم المعتاد فباع الوكيل الدار لشخص وقبض الثمن وثبت التبايع وحكم حاكم بصحته واستمرت الدار في يد المشتري مدة ثم وقفها وشهد وحكم حاكم بصحة الوقف في يد المشتري أولا وآخرا ثلاث سنين وموكل البائع عالم بذلك كله ولم يبد فيه مطعنا ثم بعد هذه المدة ادعى الموكل أنه عزل الوكيل قبل صدور البيع ; ولم يعلم وأقام بذلك بينة في بلد آخر وحكم بها حاكم من غير دعوى على المشتري ولا وكيله ولا من بيده شيء من ريع العين المنتفعة .

                فهل يصح هذا الحكم ويبطل البيع ؟ وهل يجب على المشتري أجرة المثل أو يكون انتفاعه شبهة ؟ وهل يجب على الوكيل البائع إعادة الثمن ؟ وإذا أقام الوكيل البائع بينة بوصول الثمن إلى موكله هل يكون ذلك رضى منه ؟ وهل يفسق الموكل في ادعاء عزل الوكيل بعد ثلاث سنين وسكوته عن ذلك وغروره للمشتري ووصول الثمن إليه ؟ . [ ص: 61 ]

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله رب العالمين .

                هذه المسألة أولا مبنية على عزل الوكيل : هل ينعزل قبل بلوغ العزل له ؟ على قولين مشهورين للعلماء .

                أحدهما : لا ينعزل حتى يعلم .

                وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وقول الشافعي وأحد القولين في مذهب مالك بل أرجحهما .

                فعلى هذا تصرف الوكيل قبل العلم صحيح نافذ .

                وثبوت عزله قبل التصرف لا يقدح في تصرفه قبل العلم فيصح البيع والوقف الواقع على الوجه المشروع ولا يبطل ذلك ولا حكم الحاكم به .

                والقول الثاني : أنه ينعزل قبل العلم وهو المشهور في مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وهو مذهب مالك في إحدى الروايتين .

                فعلى هذا لا تقبل مجرد دعواه العزل بعد التصرف وإذا أقام بذلك بينة ببلد آخر وحكم به حاكم كان ذلك حكما على الغائب والحكم على الغالب إذا قيل بصحته فهو يصح مع بقاء كل ذي حجة على حجته وللمحكوم عليه أن يقدح في الحكم والشهادة بما يسوغ قبوله : إما الطعن في الشهود أو الحكم أو غير ذلك : مثل أن يكون الحاكم الذي حكم بالعزل لا يرى العزل قبل العلم .

                ولكن ليس عليه أن يقبل البينة الشاهدة بالعزل فاسقة أو متهمة بشيء يمنع قبول الشهادة .

                ثم الحاكم الذي حكم بصحة البيع والوقف إن كان ممن لا يرى عزل الوكيل قبل العلم وقد بلغه ذلك كان حكمه نافذا لا يجوز [ ص: 62 ] نقضه بحال ; بل الحكم الناقض له مردود .

                وإن كان لم يعلم ذلك .

                أو مذهبه عدم الحكم بالصحة إذا ثبت كان وجود حكمه كعدمه .

                والحاكم الثاني إذا لم يعلم بأن العزل قبل العلم أو علم بذلك وهو لا يراه أو رآه وهو لا يرى نقض الحكم المتقدم وما ذكر من علم موكل الوكيل البائع بما جرى وسكوته : كان وجود حكمه كعدمه واستيثاق الحكم في القصة وقبض الثمن من الوكيل دليل في العادة على الإذن في البيع والشراء وبقاء الوكالة إذا لم يعارض ذلك معارض راجح .

                وأكثر العلماء يقبلون مثل هذه الحجة ويدفعون بها دعوى الموكل للعزل ; ليبطل البيع ; لا سيما مع كثرة شهود الزور .

                ولو حكم ببطلان الوقف لم يجب على الوكيل ولا على المشتري ضمان ما استوفاه من المنفعة ; فإن كان الوكيل والمشتري مغرورين غرهما الموكل لعدم إعلامه بالعزل فالتفريط جاء من جهته فلا يضمن له المنفعة .

                وإذا أنكر الموكل قبض الثمن ولم يقم عليه بينة به فإن كان الوكيل بلا جعل قبل قوله على الموكل ; لأنه أمينه كما يقبل قول المودع في رد الوديعة إلى مالكها .

                وإن كان بجعل ففيه قولان مشهوران للعلماء ولكن لا يقبل قول الوكيل على المشتري .

                فإن كان البيع باقيا [ ص: 63 ] فلا كلام وإن كان البيع مفسوخا فلهم أن يطالبوا الوكيل بالثمن والوكيل يرجع على الموكل .




                الخدمات العلمية