الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 414 - 417 ] ( باب ) الرهن بذل من له البيع ما يباع ، أو غررا ، ولو اشترط [ ص: 418 ] في العقد وثيقة بحق :

[ ص: 417 ]

التالي السابق


[ ص: 417 ] باب )

في بيان حقيقة وأحكام الرهن

( الرهن ) لغة اللزوم والحبس ، وكل ملزوم فهو رهن يقال هذا رهن لك أي محبوس لك ، قال الله تعالى { كل نفس بما كسبت رهينة } ، أي محبوسة ، والراهن دافع الرهن ، والمرتهن بكسر الهاء قابضه ، وبفتحها الشيء المرهون ، وقد يطلق على آخذه لوضع الرهن عنده وعلى الراهن لأنه مطلوب ومأخوذ منه الرهن ، وجمع الرهن رهان ورهون ، ورهن بضم الراء والهاء . ابن يونس الرهن والرهان عربيان لكن الرهن بضم في جمع الرهن أكثر ، والرهان في الخيل أكثر . وقيل جمع الرهن رهان وجمع رهان رهن بالضم فهو جمع الجمع ، يقال رهنته وأرهنته وارتهنته حكاه السمين . وشرعا يطلق مصدرا بمعنى العقد ، واسما للشيء المرهون ، وعرفه المصنف بالمعنى الأول فقال : الرهن ( بذل ) بفتح الموحدة وسكون الذال المعجمة أي إعطاء جنس شمل الرهن وغيره وهو مضاف له ل ( من ) أي شخص إضافة مصدر لفاعله ( له البيع ) لتمييزه لإخراج بذل من لا يصح بيعه لعدم تمييزه ، ومفعول البذل ( ما ) أي شيئا ( يباع ) أخرج به بذل من له البيع ما لا يصح بيعه كخمر وخنزير وميتة وكلب ، ولما خرج بقوله ما يباع بذل ما فيه غرر وكان رهنه صحيحا ، عطفه على ما يباع لإدخاله فقال ( أو ) بذل من له البيع ( غررا ) أي شيئا فيه غرر غير شديد كآبق وشارد لأن للمالك دفع ماله قرضا أو بيعا لأجل بلا توثق فيه بشيء ، فجاز توثقه فيه بما فيه غرر لأنه شيء في الجملة خير من لا شيء ، فإن اشتد كالجنين فلا يجوز على المعروف .

وسيأتي للمصنف إذا لم يشترط رهنه في البيع أو القرض ، بل ( ولو اشترط ) رهن [ ص: 418 ] الغرر ( في العقد ) أي البيع أو القرض فلا يفسد على المشهور . ابن رشد المشهور جواز رهن الغرر في عقد البيع وهو ظاهر قول ابن القاسم في إطلاقه في قولها أجاز ابن القاسم رهن الثمرة والزرع قبل بدو صلاحهما نقله ابن عرفة ، وأشار بلو إلى القول بأن اشتراطه فيه يفسده . المازري وهما جاريان على أن الفاسد إذا قارن الصحيح هل يصيره ممنوعا أم لا . الحط ومنشأ الخلاف هل الرهن حصة من الثمن أو لا ، وهذه إحدى النظائر التي يجوز فيها الغرر ، والثانية الهبة ، والثالثة الخلع ، والرابعة الصلح ، وذكر علة بذل ما يباع بقوله ( وثيقة ) أي للتوثق به ( بحق ) لإخراج بذل من له البيع ما يباع لغير التوثق به ، كبذل المبيع والمؤجر والمعار والموهوب والمتصدق به .

وتعريف المصنف الرهن بما ذكر قريب من قولة ابن الحاجب . إعطاء امرئ وثيقة بحق ، واعترضه ابن عرفة بأنه لا يتناول الرهن بحال لأنه اسم ، والإعطاء مصدر وهما متباينان ، ويعني أن الرهن وإن كان في الأصل مصدرا لكن غلب في عرف الفقهاء إطلاقه على الشيء المرهون ، فالأولى أن يقول : مال معطى مثلا . وعرفه بأنه : ماله قبض توثيقا به في دين . قال فخرجت الوديعة والمصنوع بيد صانعه والرقيق الجاني المسلم للمجني عليه . الحط يقال الرهن يطلق في عرفهم على العقد أيضا ، كقولهم يصح الرهن ويبطل الرهن ، فتعريفه بالإعطاء والبذل المراد بهما العقد صحيح أيضا . وفي التعبير عن العقد بالقبض والإعطاء والبذل في التعريفات إشارة إلى أنه لا يتم إلا بالقبض لقول الله تعالى { فرهان مقبوضة } ، وفي الإعطاء وللبذل إشارة إلى أنه لا يتم إلا بالإقباض والإذن فيه ، ولو تولى المرتهن قبضه بنقسه فلا يكون رهنا .

وعرفه ابن شاس بأنه : احتباس العين وثيقة بالحق ، ونظر فيه وفي تعريف ابن الحاجب والمصنف بأن الرهن عند الفقهاء ليس هو نفس الإعطاء أو الاحتباس ، ولا يكادون يطلقونه على ذلك أصلا ، بل هو عندهم أما العقد أو الشيء المرهون ، فمن الأول قولهم الرهن يلزم بالقول ، وقولهم يصح رهن كذا ولا يصح رهن كذا واشتراطهم الصيغة فيه أو جعلها ركنا له . وفي كلام ابن الحاجب وابن شاس ما ينافي ما قالاه . قال ابن شاس [ ص: 419 ] وأما القبض فليس بشرط في انعقاد الرهن ولا في صحته ولا في لزومه فينعقد ويصح ويلزم بالقول ثم يطلب المرتهن الإقباض . وقال ابن الحاجب يصح الرهن قبل قبضه ولا يتم إلا به . ا هـ . فأنت ترى القبض والإقباض متأخرين عن العقد ، والمتأخر عن الشيء غير ضرورة ، ولا سيما على قول ابن القاسم لا ينعقد إلا بلفظه . ومن الثاني قولهم إن جنى الرهن وعلة الرهن ، ولذا حده الوانوغي بقوله : عقد لازم لا ينقل الملك ، قصد به التوثيق بعد قوله لإخفاء في إشكال تعريف شيخنا بأنه مال قبض توثقا به في دين لأنه لا يشمل من الرهن إلا ما هو مقبوض ، ولا خلاف في المذهب أن القبض ليس من حقيقة الرهن . ا هـ . وكل هذا مدفوع بأن المراد من الإعطاء والبذل والإقباض العقد والله أعلم .




الخدمات العلمية