الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس بعد هجرته إلى المدينة ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، ثم كره استقبالها وأحب استقبال الكعبة ، واختلفوا في سبب كراهيته لها ، فقال مجاهد : إنما كرهها ليخالف اليهود فيها ، ولا يوافقهم عليها ، لأنهم قالوا : يتبع قبلتنا ، ويخالف ديننا ، وكانوا يقولون : إن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما دروا أين قبلتهم حتى هديناهم

                                                                                                                                            وقال ابن عباس : إنما كرهها ، لأنه أحب الكعبة قبلة أبيه إبراهيم ، عليه السلام ، وكره العدول عنها ، فسأل الله تعالى أن يحول قبلته إلى الكعبة فأنزل الله تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها [ البقرة : 144 ] ، يعني : الكعبة فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره [ البقرة : 144 ] ، أي : نحوه وجهته ، وعنى بالمسجد الحرام الكعبة لقوله تعالى : جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس [ المائدة : 97 ] ، فنسخ الله بهذه الآية استقبال بيت المقدس ، وفرض استقبال الكعبة ، واختلفوا في زمان النسخ ، فقال قوم : كان ذلك في رجب قبل بدر بشهرين ، وهذا قول من روى أنه صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس بعد الهجرة بستة عشر شهرا ، وقال آخرون : بل كان في شعبان وهذا قول من روى أنه صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس بعد الهجرة بسبعة عشر [ ص: 69 ] شهرا ] قال أنس بن مالك : وكان ذلك في صلاة الظهر ، وكان قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين منها نحو بيت المقدس فانصرف إلى الكعبة

                                                                                                                                            قال الواقدي : وكان ذلك " في يوم الثلاثاء النصف من شعبان في السنة الثانية من الهجرة

                                                                                                                                            وقال ابن عباس : أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا - والله أعلم - بيان القبلة والقيام الأول ، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة والمسلمون معه وتغيرت أمور الناس حتى ارتد من المسلمين قوم ، ونافق قوم ، وقالت اليهود : إن محمدا قد اشتاق إلى بلده ، وقالت قريش : إن محمدا صلى الله عليه وسلم قد علم أنا على هدى وسيتابعنا ، ولذلك قال الله تعالى : إلا لنعلم من يتبع الرسول [ البقرة : 143 ] يعني : في استقبال الكعبة ممن ينقلب على عقبيه [ البقرة : 143 ] ، بالردة ، أو النفاق وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله [ البقرة : 143 ] ، يعني : بالكعبة ، والتولية عن بيت المقدس إلى الكعبة ، قال ابن عباس : ولما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم أتى رفاعة بن قيس ، وكعب بن الأشرف ، وابن أبي الحقيق ، وهم زعماء اليهود فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ، عليه السلام ، ودينه ، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك . وإنما يريدون فتنته عن دينه ، فأنزل الله تعالى : سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ البقرة : 142 ] ، ثم قال المسلمون : يا رسول الله ، كيف بمن مات من إخواننا استقبال الكعبة . فأنزل الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم [ البقرة : 143 ] ، يعني : صلاتكم إلى بيت المقدس : إن الله بالناس لرءوف رحيم [ البقرة : 143 ] ، يعني : قوله : أنه لا يحبط لهم عملا ، ولا يضيع لهم أجرا ، وروي عن ابن عباس : إن أول من صلى إلى الكعبة ، وأوصى بثلث ماله وأمر أن يوجه إلى الكعبة البراء بن معرور ، وابنه بشر بن البراء الذي أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة فمات

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية