الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المطلب الأول: دراسة المفهوم:

أ - التعريف المعجمي:

المقصد مصدر ميمي من قصد، والقاف والصاد والدال أصول ثلاثة، يدل أحدها على إتيان شيء وأمه، والآخر اكتناز في الشيء. [1] تقول: قصدته، وقصدت له، وقصدت إليه وقصدت قصده: نحوت نحوه. وقصدت [ ص: 51 ] العود قطعا: كسرته [2] ، والقصد: استقامة الطريق، وقوله تعالى: ( وسفرا قاصدا ) أي سفـرا متوسطا غير متناهي البعد... وأقصد السهم أصاب وقتل مكانه. [3]

يتبين مما سبق أن مادة قصد تدور في معاجم اللغة حول عدة معان، نحو: إتيان الشيء وأمه، وكذا الاستقامة، والمنحى، والتكسير، والإصابة، والاكتناز في الشيء، لكن المعنى الأول هو المقصود أصالة، قال مرتضى الزبيدي: "وفي سر الصناعة لابن جني أصل ق ص د ومواقعها في كلام العرب: الاعتزام والتوجه والنهود والنهوض نحو الشيء على اعتدال كان ذلك أو جور، هذا أصله في الحقيقة، وإن كان يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل. ألا ترى أنك تقصد الجور تارة كما تقصد العدل أخرى، فالاعتزام والتوجه شامل لهما جميعا". [4]

ولزيادة توضيح معنى مقصد نهج الأستاذ طه عبد الرحمن نهجا مغايرا في التعاريف، حيث توسل التعريف بطريق الضد، فـ"الضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتميز الأشياء" [5] ، فقابل معاني المقصد بأضدادها واحدا واحدا، قال: [ ص: 52 ]

أ - يستعمل الفعل: "قصد" بمعـنى هو ضد الفعل: "لغا"، "يلغو". لما كان اللغو هو الخلو عن الفائدة أو صرف الدلالة، فإن المقصد يكون، على العكس من ذلك، هو حصول الفائدة أو عقد الدلالة، واختص المقصد بهذا المعنى باسم "المقصود"... فالمقصد بمعنى المقصود هو المضمون الدلالي.

ب - يستعمل الفعل: "قصد" أيضا بمعنى ضد الفعل: "سها"، "يسهو". لما كان السهو هو فقد التوجه أو الوقوع في النسيان، فإن المقصد يكون، على خلاف ذلك، هو حصول التوجه والخروج من النسيان، واختص المقصد بهذا المعنى باسم "القصد"،... فالمقصد بمعنى القصد هو المضمون الشعوري أو الإرادي.

ج - يستعمل الفعل: "قصد" كذلك بمعنى هو ضد الفعل: "لها"، "يلهو". لما كان اللهو هو الخلو عن الغرض الصحيح وفقد الباعث المشروع، فإن المقصد يكون، على العكس من ذلك، هو حصول الغرض الصحيح وقيام الباعث المشروع، واختص المقصد بهذا المعنى باسم "الحكمة"،... فالمقصد بهذا المعنى هو المضمون القيمي [6] .

ب - التعريف المصطلحي:

لم يهتم العلماء القدامى بتعريف المقاصد - بشقيها: مقاصد الشارع ومقاصد المكلف - وإنما صبوا جل اهتمامهم على استحضارها أثناء اجتهاداتهم، حتى الإمام الشاطبي الذي خصص الجزء الثاني من يتيمته [ ص: 53 ] "الموافقات" لها، لم يعرفها [7] ، أما العلماء المحدثون فقد تعددت تعاريفهم وتنوعت، وسأقتصر فقط على تعريف الأستاذ يوسف البدوي، الذي حاول أن يخلص إلى تعريف للإمام ابن تيمية انطلاقا من كلامه المقاصدي[8] ، وهو: "الحكم التي أرادها الله من أوامره ونواهيه لتحقيق عبوديته وإصلاح العباد في المعاش والمعاد" [9] . [ ص: 54 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية