الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 68 ) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ( 69 ) )

يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل لهم يا محمد : ( هو الذي يحيي ويميت ) يقول قل لهم : ومن صفته - جل ثناؤه - أنه هو الذي يحيي من يشاء بعد مماته ، ويميت من يشاء من الأحياء بعد حياته و ( إذا قضى أمرا ) [ ص: 413 ] يقول : وإذا قضى كون أمر من الأمور التي يريد تكوينها ( فإنما يقول له كن ) يعني للذي يريد تكوينه كن ، فيكون ما أراد تكوينه موجودا بغير معاناة ، ولا كلفة مؤنة .

وقوله : ( ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ) يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ألم تر يا محمد هؤلاء المشركين من قومك ، الذين يخاصمونك في حجج الله وآياته ( أنى يصرفون ) يقول : أي وجه يصرفون عن الحق ، ويعدلون عن الرشد .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أنى يصرفون ) : أنى يكذبون ويعدلون .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أنى يصرفون ) قال : يصرفون عن الحق .

واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية ، فقال بعضهم : عنى بها أهل القدر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالا ثنا مؤمل قال : ثنا سفيان ، عن داود بن أبي هند . عن محمد بن سيرين قال : إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية ، فإني لا أدري فيمن نزلت : ( ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ) إلى قوله : ( لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ) .

حدثني علي بن سهل قال : ثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن ابن سيرين قال : إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مالك بن أبي الخير [ ص: 414 ] الزيادي ، عن أبي قبيل قال : أخبرني عقبة بن عامر الجهني ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " سيهلك من أمتي أهل الكتاب ، وأهل اللين " فقال عقبة : يا رسول الله ، وما أهل الكتاب ؟ قال : " قوم يتعلمون كتاب الله يجادلون الذين آمنوا " فقال عقبة : يا رسول الله ، وما أهل اللين ؟ قال : " قوم يتبعون الشهوات ، ويضيعون الصلوات " . قال أبو قبيل : لا أحسب المكذبين بالقدر إلا الذين يجادلون الذين آمنوا ، وأما أهل اللين ، فلا أحسبهم إلا أهل العمود ليس عليهم إمام جماعة ، ولا يعرفون شهر رمضان .

وقال آخرون : بل عنى به أهل الشرك .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ) قال : هؤلاء المشركون .

والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن زيد ؛ وقد بين الله حقيقة ذلك بقوله : ( الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية