الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 113 ] فرع

                                                                                                                                                                        في بيان ما يرمى

                                                                                                                                                                        شرطه كونه حجرا ، فيجزئ المرمر ، والبرام ، والكذان ، وسائر أنواع الحجر . ويجزئ حجر النورة قبل أن يطبخ ويصير نورة . وأما حجر الحديد ، فتردد فيه الشيخ أبو محمد . والمذهب : جوازه ؛ لأنه حجر في الحال إلا أن فيه حديدا كامنا يستخرج بالعلاج وفي ما تتخذ منه الفصوص ، كالفيروزج ، والياقوت ، والعقيق ، والزمرد ، والبلور ، والزبرجد وجهان . أصحهما : الإجزاء ؛ لأنها أحجار . ولا يجزئ اللؤلؤ ، وما ليس بحجر من طبقات الأرض ، كالنورة ، والزرنيخ ، والإثمد ، والمدر ، والجص ، والجواهر المنطبعة كالتبرين وغيرهما . والسنة أن يرمي بمثل حصى الخذف ، وهو دون الأنملة طولا وعرضا في قدر الباقلاء ، يضعه على بطن الإبهام ، ويرميه برأس السبابة . ولو رمى بأصغر من ذلك ، أو أكبر ، كره وأجزأه . ويستحب أن يكون الحجر طاهرا .

                                                                                                                                                                        قلت : جزم الإمام الرفاعي [ رحمه الله ] ، بأن يرميه على هيئة الخذف فيضعه على بطن الإبهام ، وهذا وجه ضعيف . والصحيح المختار : أن يرميه على [ غير ] هيئة الخذف . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في حقيقة الرمي

                                                                                                                                                                        الواجب
                                                                                                                                                                        ، ما يقع عليه اسم الرمي . فلو وضع الحجر في المرمى ، لم يعتد [ ص: 114 ] به على الصحيح . ويشترط قصد المرمى . فلو رمى في الهواء فوقع في المرمى ، لم يعتد به . ولا يشترط بقاء الحجر في المرمى ، فلا يضر تدحرجه وخروجه بعد الوقوع ، لكن ينبغي أن يقع فيه . فإن شك في وقوعه فيه ، فقولان . الجديد : لا يجزئه . ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة . فلو وقف في الطرف ، ورمى إلى الطرف الآخر جاز . ولو انصدمت الحصاة المرمية بالأرض خارج الجمرة ، أو بمحمل في الطريق ، أو عنق بعير ، أو ثوب إنسان ، ثم ارتدت فوقعت في المرمى ، اعتد بها ، لحصولها في المرمى بفعله من غير معاونة .

                                                                                                                                                                        ولو حرك صاحب المحمل المحمل فنفضها ، أو صاحب الثوب ، أو تحرك البعير فدفعها فوقعت في المرمى لم يعتد بها . ولو وقعت على المحمل أو عنق البعير ، ثم تدحرجت إلى المرمى ، ففي الاعتداد بها وجهان . لعل أشبههما المنع ، لاحتمال تأثرها به . ولو وقعت في غير المرمى ثم تدحرجت إلى المرمى أو ردتها الريح إليه ، فوجهان . قال في " التهذيب " : أصحهما : الإجزاء لحصولها فيه لا بفعل غيره . ولا يجزئ الرمي عن القوس ، ولا الدفع بالرجل . ويستحب أن يرمي الحصيات في سبع دفعات . فلو رمى حصاتين أو سبعا دفعة ، فإن وقعن في الرمي معا ، حسبت واحدة فقط ، وإن ترتبت في الوقوع حسبت واحدة على الصحيح . ولو أتبع حجرا حجرا ، ووقعت الأولى قبل الثانية ، فرميتان . وإن تساوتا ، أو وقعت الثانية قبل الأولى ، فرميتان على الأصح . ولو رمى بحجر قد رمى به غيره ، أو رمى هو به إلى جمرة أخرى ، أو إلى هذه الجمرة في يوم آخر ، جاز . وإن رمى به هو تلك الجمرة في ذلك اليوم ، فوجهان . أصحهما : الجواز ، كما لو دفع إلى فقير مدا في كفارة ، ثم اشتراه ودفعه إلى آخر ، وعلى هذا تتأدى جميع الرميات بحصاة واحدة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 115 ] فرع

                                                                                                                                                                        العاجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس ، يستنيب من يرمي عنه . ويستحب أن يناول النائب الحصى إن قدر ، ويكبر هو . وإنما تجوز النيابة لعاجز بعلة لا يرجى زوالها قبل خروج وقت الرمي ، ولا يمنع الزوال بعده . ولا يصح رمي النائب عن المستنيب إلا بعد رميه عن نفسه ، فلو خالف وقع عن نفسه كأصل الحج . ولو أغمي عليه ولم يأذن لغيره في الرمي عنه ، لم يجز الرمي عنه . وإن أذن ، جاز الرمي عنه على الصحيح .

                                                                                                                                                                        قلت : شرطه أن يكون أذن قبل الإغماء في حال تصح الاستنابة فيه صرح به الماوردي وآخرون ، ونقله الروياني عن الأصحاب . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وإذا رمى النائب ، ثم زال عذر المستنيب والوقت باق ، فالمذهب : أنه ليس عليه إعادة الرمي ، وبهذا قطع الأكثرون . وفي " التهذيب " : أنه على القولين فيما إذا حج المعضوب عن نفسه ثم برئ .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        ثم إذا فرغ الحاج من رمي اليوم الثالث من أيام التشريق ، استحب أن يأتي المحصب ، فينزل به ويصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به ليلة الرابع عشر . ولو ترك النزول به ، فلا شيء عليه . وحد المحصب : ما بين الجبلين إلى المقبرة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية