الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولربك فاصبر تثبيت للنبيء - صلى الله عليه وسلم - على تحمل ما يلقاه من أذى المشركين وعلى مشاق الدعوة .

والصبر : ثبات النفس وتحملها المشاق والآلام ونحوها .

ومصدر الصبر وما يشتق منه يتضمن معنى التحمل للشيء الشاق .

ويعدى فعل الصبر إلى اسم الذي يتحمله الصابر بحرف ( على ) ، يقال : صبر على الأذى . ويتضمن معنى الخضوع للشيء الشاق فيعدى إلى اسم ما يتحمله الصابر باللام . ومناسبة المقام ترجح إحدى التعديتين ، فلا يقال : اصبر على الله ، ويقال : اصبر على حكم الله ، أو لحكم الله . فيجوز أن تكون اللام في قوله ( لربك ) لتعدية فعل الصبر على تقدير مضاف . أي : اصبر لأمره وتكاليف وحيه كما قال واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا في سورة الطور ، وقوله واصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا في سورة الإنسان ، فيناسب نداءه بـ يا أيها المدثر ؛ لأنه تدثر من شدة وقع رؤية الملك ، وترك ذكر المضاف لتذهب النفس إلى كل ما هو من شأن المضاف إليه مما يتعلق بالمخاطب .

[ ص: 300 ] ويجوز أن تكون اللام للتعليل ، وحذف متعلق فعل الصبر ، أي : اصبر لأجل ربك على كل ما يشق عليك .

وتقديم ( لربك ) على ( اصبر ) للاهتمام بالأمور التي يصبر لأجلها مع الرعاية على الفاصلة ، وجعل بعضهم اللام في ( لربك ) لام التعليل ، أي : اصبر على أذاهم لأجله ، فيكون في معنى : إنه يصبر توكلا على أن الله يتولى جزاءهم ، وهذا مبني على أن سبب نزول السورة ما لحق النبيء - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين .

والصبر تقدم عند قوله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة في البقرة .

وفي التعبير عن الله بوصف ربك إيماء إلى أن هذا الصبر بر بالمولى وطاعة له .

فهذه ست وصايا أوصى الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في مبدأ رسالته وهي من جوامع القرآن أراد الله بها تزكية رسوله وجعلها قدوة لأمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية