الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وأعذر بأبقيت لك حجة ) ش تصوره واضح ( تنبيهان الأول ) كان المصنف هرب بإفراد الضمير في قوله لك مما في المدونة من تثنيته ; لأن فيها وجه الحكم في القضاء إذا أدلى الخصمان بحجتهما ففهم القاضي عنهما وأراد أن يحكم بينهما أن يقول لهما أبقيت لكما حجة فإن قالا : لا حكم بينهما ثم لا تقبل منه حجة بعد إنفاذه ، انتهى . فقيل الحجة إنما تطلب ممن يتوجه عليه الحكم وهو المدعى عليه ولهذا اختصرها أبو محمد بإفراد الضمير لكن أجيب عنها بأن الحكم تارة يتوجه على الطالب وتارة على المطلوب ; لأنه قد تقوى حجة المدعى عليه فتضعف حجة المدعي فيتوجه الحكم عليه بالإبراء وغيره فلا بد من الإعذار فلما كان يعذر تارة إلى هذا وتارة إلى هذا اختصر وأتى بذلك في لفظ واحد كذا قال عياض وغيره ، انتهى من التوضيح ( الثاني ) اختلف في وقت الإعذار إلى المحكوم عليه فقيل قبل الحكم وبه جرى العمل وقيل بعده ذكره في مفيد الحكام ونقله ابن فرحون في تبصرته وفي مسائل ابن زرب ولا تتم قضية القاضي إلا بعد الإعذار ، انتهى . وفي آخر [ ص: 132 ] وثائق الجزيري في تسجيل بنقض حكم قضاء قاض فنظر فيه فتبين له من خطئه وجهله بالسنة ما أوجب فسخ قضائه عند فلان إذا كان لم يعذر إليه أو لم يصرح بأسماء الشهود الذين حكم بهم إذ ليس ذلك جائزا إذ ليس بمشهور بالعدل في الحكم ، انتهى . فعلم منه أن الحكم قبل الإعذار لا يجوز وفي البرزلي في مسائل الأقضية وحكى ابن فرحون مسألة طول فيها من ابتياع وخصومة فيها فذكر فيها أن حكما وقع بغير إعذار فاختلف فيه فذهب منذر بن إسحاق إلى أن الحكم بغير إعذار غير صواب ولا هو من وجه الحق ; لأنه من قبيل من لا يجب قبوله وليس نظره بحجة ، قال : وفيه ضعف وقال مطرف وابن الماجشون : إذا لم يكتب الإعذار في الحكم وزعم المكتوب عليه بعد موت الحاكم أو عزله أنه لم يمكنه من جرح الشاهد فلا يسمع منه والحكم ماض عليه وقال غيرهما : إن دعي إلى الإعذار فإنه يعذر إليه وذلك من حقه فإن أتى بمدفع نظر له وإن لم يأت بمدفع مضى الحكم بالإعذار إليه ولا يستأنف النظر فيما تقدم من الحكم لغفلة من غفل عن تتبع حقه ، انتهى . ويؤخذ من المسألة الثانية من سماع عبد الملك بن الحسن من الاستحقاق أن الغائب على حجته وله نقض الحكم إذا ظهر ما ينقضه ولو لم ترج له الحجة ; لأنه في المسألة المذكورة لم ترج له الحجة وفي أثناء شرح المسألة الأخيرة من رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة في تعليل المسألة ; لأن الشهادة لا يجب الحكم بها إلا بعد الإعذار إلى المشهود عليه ، انتهى . وانظر مختصر الواضحة في باب ما يفسخ فيه حكم القاضي ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية