الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وكانت تقدم عليه رسل أعدائه ، وهم على عداوته ، فلا يهيجهم ، ولا يقتلهم ، ولما قدم عليه رسولا مسيلمة الكذاب : وهما عبد الله بن النواحة وابن أثال ، قال لهما : ( فما تقولان أنتما ؟ قالا : نقول كما قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ) فجرت سنته ألا يقتل رسول . [ ص: 126 ] وكان هديه أيضا ألا يحبس الرسول عنده إذا اختار دينه فلا يمنعه من اللحاق بقومه بل يرده إليهم كما قال : أبو رافع بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتيته ، وقع في قلبي الإسلام ، فقلت : يا رسول الله! لا أرجع إليهم . فقال : ( إني لا أخيس بالعهد ، ولا أحبس البرد ، ارجع إليهم ، فإن كان في قلبك الذي فيه الآن ، فارجع ) .

قال أبو داود : وكان هذا في المدة التي شرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم من جاء منهم ، وإن كان مسلما ، وأما اليوم ، فلا يصلح هذا. انتهى .

وفي قوله : ( لا أحبس البرد ) إشعار بأن هذا حكم يختص بالرسل مطلقا ، وأما رده لمن جاء إليه منهم وإن كان مسلما ، فهذا إنما يكون مع الشرط ، كما قال أبو داود ، وأما الرسل ، فلهم حكم آخر ، ألا تراه لم يتعرض لرسولي مسيلمة وقد قالا له في وجهه : نشهد أن مسيلمة رسول الله .

وكان من هديه ، أن أعداءه إذا عاهدوا واحدا من أصحابه على عهد لا يضر بالمسلمين من غير رضاه ، أمضاه لهم ، كما عاهدوا حذيفة وأباه الحسيل أن لا يقاتلاهم معه صلى الله عليه وسلم ، فأمضى لهم ذلك وقال لهما : ( انصرفا نفي لهم بعهدهم ، ونستعين الله عليهم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية