الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن عرفة الشيخ لأشهب في المجموعة وكتاب ابن سحنون : لا يجوز أن يقضي القاضي لنفسه ولابن رشد في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم له الحكم بالإقرار على من انتهك ماله فيعاقبه ويتمول المال بإقراره ولا يحكم بشيء من ذلك بالبينة ودليله قطع الصديق رضي الله عنه يد الأقطع الذي سرق عقد زوجته أسماء لما اعترف بسرقته هذه الرواية الصحيحة ، انتهى . يعني بقوله هذه الرواية الصحيحة قطعه باعترافه فإنه روي أنه قطعه بالبينة ، والأول أصح ، قاله ابن رشد في الرسم المذكور من كتاب الأقضية ولم يذكر ابن رشد ما تقدم إلا على أنه المذهب ونصه : قيل لمالك أرأيت الذي يتناول القاضي بالكلام فيقول قد ظلمتني ، قال : إن ذلك ليختلف ولم يجد فيه تفسيرا إلا أن وجه ما قاله إذا أراد بذلك أذاه وكان القاضي من أهل الفضل أن يعاقبه ابن رشد . وهذا كما قال ; لأن للقاضي الفاضل أن يحكم لنفسه بالعقوبة على من تناوله بالقول وأذاه بأن نسب إليه الظلم والجور مواجهة بحضرة أهل مجلسه بخلاف ما يشهد به عليه أنه أذاه به وهو غائب ; لأن ما واجهه به من ذلك هو من قبيل الإقرار وله أن يحكم بالإقرار على من انتهك ماله فيعاقبه به أي : بإقراره ويتمول المال بإقراره ولا يحكم في شيء من ذلك بالبينة والأصل في ذلك قطع أبي بكر رضي الله عنه يد الأقطع الذي سرق عقد زوجته أسماء لما اعترف بسرقته وإن كان في حديث الموطإ فاعترف به لأقطع أو شهد عليه على الشك ، فالصواب ما في غير الموطإ أنه اعترف به من غير شك إذ لو لم يعترف لما قطعه بالبينة كما لو كان المسروق له إذ لا فرق بين كونه له أو لزوجته في هذا ; لأن متاعها كمتاعه والدليل على ذلك قول عمر رضي الله عنه لعبد الله بن الحضرمي لما جاءه بغلامه فقال : إن هذا سرق مرة لامرأتي لا قطع عليه هذا خادمكم سرق متاعكم ألا ترى أن الرجل لا يجوز أن يشهد لنفسه فإن كان يحكم بالإقرار في مال كما يحكم به في مال غيره كان أحرى أن يحكم بالإقرار في عرضه كما يحكم به في عرض غيره لما يتعلق في ذلك من الحق لله ; لأن الجرأة على القضاة والحكام بمثل هذا توهين لأمرهم وداعية إلى الضعف عن استيفاء الحقائق في الأحكام فالمعاقبة في مثل هذا أولى من التجاوز والعفو ، وقاله في الواضحة ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية