الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            لما بين أن الإرسال أو الإنزال للإنذار ، أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس عليه الهداية المستلزمة للاهتداء ، وإنما عليه الإنذار وقد لا يؤمن من المنذرين كثير ، وفي قوله تعالى : ( لقد حق القول ) وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : وهو المشهور أن المراد من القول هو قوله تعالى : ( فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك ) [ص : 85] .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : هو أن معناه لقد سبق في علمه أن هذا يؤمن ، وأن هذا لا يؤمن ، فقال في حق البعض : إنه لا يؤمن ، وقال في حق غيره : إنه يؤمن فـ ( حق القول ) أي وجد وثبت بحيث لا يبدل بغيره .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : هو أن يقال : المراد منه لقد حق القول الذي قاله الله على لسان الرسل من التوحيد وغيره وبان برهانه ، فأكثرهم لا يؤمنون بعد ذلك ؛ لأن من يتوقف لاستماع الدليل في مهلة النظر يرجى منه الإيمان إذا بان له البرهان ، فإذا تحقق وأكد بالإيمان ولم يؤمن أكثرهم تبين أنهم لا يؤمنون لمضي وقت رجاء الإيمان ؛ ولأنهم لما لم يؤمنوا عند حق القول واستمروا ، فإن كانوا يريدون شيئا أوضح من البرهان فهو العيان ، وعند العيان لا يفيد الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله : ( على أكثرهم ) على هذا الوجه معناه أن من لم تبلغه الدعوة والبرهان قليلون ، فحق القول على أكثر من لم يوجد منه الإيمان ، وعلى الأول والثاني ظاهر ، فإن أكثر الكفار ماتوا على الكفر ولم يؤمنوا .

                                                                                                                                                                                                                                            وفيه وجه ، وهو أن يقال : لقد حقت كلمة العذاب العاجل على أكثرهم فهم لا يؤمنون ، وهو قريب من الأول .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية