الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        8 - باب طلاق المكره

                                                        4649 - حدثنا ربيع بن سليمان المؤذن قال : ثنا بشر بن بكر قال : أخبرنا الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تجاوز الله لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .

                                                        قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أكره على طلاق أو نكاح أو يمين أو إعتاق أو ما أشبه ذلك حتى فعله مكرها أن ذلك كله باطل ؛ لأنه قد دخل فيما تجاوز الله فيه للنبي صلى الله عليه وسلم عن أمته ، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث .

                                                        وخالفهم في ذلك آخرون ؛ فقالوا : بل يلزمه ما حلف به في حال الإكراه من يمين ، وينفذ عليه طلاقه وعتاقه ونكاحه ومراجعته لزوجته المطلقة إن كان راجعها .

                                                        وتأولوا في هذا الحديث معنى غير المعنى الذي تأوله أهل المقالة الأولى ؛ فقالوا : إنما ذلك في الشرك خاصة ؛ لأن القوم كانوا حديثي عهد بكفر في دار كانت دار كفر ، فكان المشركون إذا قدروا عليهم استكرهوهم على الإقرار بالكفر فيقرون بذلك بألسنتهم ، قد فعلوا ذلك بعمار بن ياسر رضي الله عنه وبغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ، فنزلت فيهم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .

                                                        وربما سهوا ، فتكلموا بما جرت عليه عادتهم قبل الإسلام ، وربما أخطأوا فتكلموا بذلك أيضا ، فتجاوز الله عز وجل لهم عن ذلك ؛ لأنهم غير مختارين لذلك ولا قاصدين إليه .

                                                        [ ص: 96 ] وقد ذهب أبو يوسف رحمه الله إلى هذا التفسير أيضا ، حدثناه الكيساني عن أبيه .

                                                        فالحديث يحتمل هذا المعنى ، ويحتمل ما قال أهل المقالة الأولى ، فلما احتمل ذلك احتجنا إلى كشف معانيه ليدلنا على أحد التأويلين فنصرف معنى هذا الحديث إليه .

                                                        فنظرنا في ذلك ، فوجدنا الخطأ هو ما أراد الرجل غيره ، ففعله لا عن قصد منه إليه ولا إرادة منه إياه ، وكان السهو ما قصد إليه ، ففعله على القصد منه إليه على أنه ساه عن المعنى الذي يمنعه من ذلك الفعل .

                                                        وكان الرجل إذا نسي أن تكون هذه المرأة له زوجة فقصد إليها فطلقها ، فكل قد أجمع أن طلاقه عامل ولم يبطلوا ذلك لسهوه ، ولم يدخل ذلك السهو في السهو المعفو عنه .

                                                        فإذا كان السهو المعفو عنه ليس فيه ما ذكرنا من الطلاق والأيمان والعتاق كان كذلك الاستكراه المعفو عنه ليس فيه أيضا من ذلك شيء .

                                                        فثبت بذلك فساد قول الذين أدخلوا الطلاق والعتاق والأيمان في ذلك .

                                                        واحتج أهل المقالة الأولى أيضا لقولهم بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية