الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة

رجوع إلى مهيع الكلام الذي بنيت عليه السورة كما يرجع المتكلم إلى وصل كلامه بعد أن قطعه عارض أو سائل ، فكلمة ( كلا ) ردع وإبطال . يجوز أن يكون إبطالا لما سبق من قوله ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) إلى قوله ( ولو ألقى معاذيره ) فأعيد ( كلا ) تأكيدا لنظيره ووصلا للكلام بإعادة آخر كلمة منه .

والمعنى : أن مزاعمهم باطلة .

وقوله ( بل يحبون العاجلة ) إضراب إبطالي يفصل ما أجمله الردع بـ ( كلا ) من إبطال ما قبلها وتكذيبه ، أي لا معاذير لهم في نفس الأمر ولكنهم أحبوا العاجلة ، أي شهوات الدنيا وتركوا الآخرة ، والكلام مشعر بالتوبيخ ، ومناط التوبيخ هو حب العاجلة مع نبذ الآخرة فأما لو أحب أحد العاجلة وراعى الآخرة ، أي جرى على الأمر والنهي الشرعيين لم يكن مذموما . قال تعالى فيما حكاه عن الذين أوتوا العلم من قوم قارون ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ) .

ويجوز أن يكون إبطالا لما تضمنه قوله ( ولو ألقى معاذيره ) فهو استئناف ابتدائي . والمعنى : أن معاذيرهم باطلة ولكنهم يحبون العاجلة ويذرون الآخرة ، أي آثروا شهواتهم العاجلة ولم يحسبوا للآخرة حسابا .

وقرأ الجمهور ( تحبون ) و ( تذرون ) بتاء فوقية على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في موعظة المشركين مواجهة بالتفريع لأنه ذلك أبلغ فيه . وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بياء تحتية على نسق ضمائر الغيبة السابقة ، والضمير عائد إلى ( الإنسان ) في قوله ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) جاء ضمير جمع لأن الإنسان مراد به الناس المشركون ، وفي قوله : ( بل تحبون ) ما يرشد إلى [ ص: 352 ] تحقيق معنى الكسب الذي وفق إلى بيانه الشيخ أبو الحسن الأشعري وهو الميل والمحبة للفعل أو الترك .

التالي السابق


الخدمات العلمية