القسم العاشر
nindex.php?page=treesubj&link=28914تجيء اللفظة الدالة على التكثير والمبالغة بصيغ من صيغ المبالغة [ ص: 77 ] كفعال وفعيل وفعلان ; فإنه أبلغ من " فاعل " .
ويجوز أن يعد هذا من أنواع الاختصار ; فإن أصله وضع لذلك ، فإن " ضروبا " ناب عن قولك : " ضارب وضارب وضارب " .
أما " فعلان " فهو أبلغ من " فعيل " ، ومن ثم قيل : الرحمن أبلغ من الرحيم - وإن كانت صيغة " فعيل " - من جهة أن " فعلان " من أبنية المبالغة ; كغضبان للممتلئ غضبا ; ولهذا لا يجوز التسمية به ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج في تأليفه المفرد على البسملة .
وأما قول شاعر
اليمامة :
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
فهو من كفرهم وتعنتهم ، كذا أجاب به
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
ورده بعضهم بأن التعنت لا يدفع وقوع إطلاقهم ، وغايته أنه ذكر السبب الحامل لهم على الإطلاق ، وإنما الجواب أنهم لم يستعملوا الرحمن المعرف بالألف واللام ; وإنما استعملوه مضافا ومنكرا ، وكلامنا إنما هو في المعرف باللام .
وأجاب
ابن مالك بأن الشاعر أراد : " لا زلت ذا رحمة " ولم يرد الاسم المستعمل بالغلبة .
ويدل على أن العرب كانت تعرف هذا الاسم قوله تعالى :
[ ص: 78 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( الإسراء : 110 ) وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60قالوا وما الرحمن ( الفرقان : 60 ) فقال
ابن العربي : إنما جهلوا الصفة دون الموصوف ; ولذلك لم يقولوا : " ومن الرحمن ؟ " .
وذكر
البرزاباذاني أنهم غلطوا في تفسير " الرحمن " حيث جعلوه بمعنى المتصف بالرحمة .
قال : وإنما معناه الملك العظيم العادل ; بدليل :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=26الملك يومئذ الحق للرحمن ( الفرقان : 26 ) إذ الملك يستدعي العظمة والقدرة والرحمة لخلقه ; لا أنه يتوقف عليها .
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ( الفرقان : 60 ) وإنما يصلح السجود لمن له العظمة والقدرة ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إني أعوذ بالرحمن ( مريم : 18 ) ولا يعاذ إلا بالعظيم القادر على الحفظ والذب .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ( مريم : 92 ) أي : وما ينبغي للعظيم القادر على كل شيء ، المستغني عن معاونة الوالد وغيره أن يتخذ ولدا .
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37الرحمن لا يملكون منه خطابا ( النبأ : 37 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=108وخشعت الأصوات للرحمن ( طه : 108 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=42قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ( الأنبياء : 42 ) ولا يحتاج الناس إلى حافظ يحفظهم من ذي الرحمة الواسعة .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إلا آتي الرحمن عبدا ( مريم : 93 ) .
[ ص: 79 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ( مريم : 45 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112وربنا الرحمن المستعان ( الأنبياء : 112 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=33من خشي الرحمن بالغيب ( ق : 33 ) .
ولا مناسبة لمعنى الرحمة في شيء من هذه المواضع ، وأما " رحيم " فهو من صفات الذات ، كقولهم : " كريم " .
وما ذكرناه من أن " الرحمن " أبلغ ذهب إليه
أبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري وغيرهما ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في " التكميل والإفهام " عن الأكثرين .
وفي كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق عليه ، ونصره
السهيلي بأنه ورد على لفظ التنبيه ، والتنبيه تضعيف ، وكأن البناء تضاعفت فيه الصفة .
وقال
قطرب : المعنى فيهما واحد ; وإنما جمع بينهما في الآية للتوكيد .
وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك ، قال : وليس قول من زعم أن " رحيما " أبلغ بجيد ; إذ لا فرق بينهما في المبالغة ، ولو قيل : " فعلان " أشد مبالغة كان أولى ، ولهذا خص بالله ; فلا يوصف به غيره ، ولذلك قال بعض التابعين : الرحمن اسم ممنوع ; وأراد به منع الخلق أن يتسموا به ، ولا وجه لهذا الكلام إلا التوكيد وإتباع الأول ما هو في معنى الثاني .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " هما اسمان رقيقان ; أحدهما أرق من الآخر " .
[ ص: 80 ] وعن
الخطابي استشكال هذا ، وقال : لعله أرفق كما جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018686إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري في " الزاهر " : الرحيم أبلغ من الرحمن .
ورجحه
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر بوجوه منها : أن الرحمن جاء متقدما على الرحيم ، ولو كان أبلغ لكان متأخرا عنه ; لأنهم في كلامهم إنما يخرجون من الأدنى إلى الأعلى فيقولون : فقيه عالم ، وشجاع باسل ، وجواد فياض ، ولا يعكسون هذا لفساد المعنى ; لأنه لو تقدم الأبلغ لكان الثاني داخلا تحته ، فلم يكن لذكره معنى .
وهذا قد ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وأجاب عنه بأنه من باب الإرداف ، وأنه أردف الرحمن الذي يتناول جلائل النعم وأصولها بالرحيم ; ليكون كالتتمة والرديف ; ليتناول ما رق منها ولطف .
وفيه ضعف ; لا سيما إذا قلنا : إن الرحمن علم لا صفة ، وهو قول
الأعلم وابن مالك ، وأجاب
الواحدي في " البسيط " بأنه لما كان الرحمن كالعلم - إذ لا يوصف به إلا الله -
[ ص: 81 ] قدم ; لأن حكم الأعلام وغيرها من المعارف أن يبدأ بها ثم يتبع الأنكر ، وما كان في التعريف أنقص .
قال : وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وغيره من النحويين ، فجاء هذا على منهاج كلام العرب .
وأجاب
الجويني بأن الرحمن للخلق ، والرحيم لهم بالرزق ، والخلق قبل الرزق .
ومنها أن أسماء الله تعالى إنما يقصد بها المبالغة في حقه ، والنهاية في صفاته ، وأكثر صفاته سبحانه جارية على " فعيل " كرحيم ، وقدير ، وعليم ، وحكيم ، وحليم ، وكريم ، ولم يأت على " فعلان " إلا قليل ، ولو كان " فعلان " أبلغ لكان صفات الباري تعالى عليه أكثر .
قلت : وجواب هذا أن ورود " فعلان " بصيغة التكثير كان في عدم تكرار الوصف به ، بخلاف " فعيل " فإنه لما لم يرق في الكثرة رقته كثر في مجيء الوصف .
ومنها أنه إن كانت المبالغة في " فعلان " من جهة موافقة التثنية - كما زعم
السهيلي - ففعيل من أبنية جمع الكثرة كعبيد وكليب ، ولا شك أن الجمع أكثر من التثنية ، وهذا أحسنها .
قال : وقول
قطرب : " إنهما بمعنى واحد " فاسد ; لأنه لو كان كذلك لتساويا في التقديم والتأخير ، وهو ممتنع .
تنبيهات
nindex.php?page=treesubj&link=28723_28914صيغ المبالغة في أسماء الله الأول : نقل عن الشيخ
برهان الدين الرشيدي - رحمه الله - أن صفات الله التي
[ ص: 82 ] هي صيغة المبالغة كغفار ورحيم وغفور ومنان كلها مجاز ; إذ هي موضوعة للمبالغة ، ولا مبالغة فيها ; لأن المبالغة هي أن تثبت للشيء أكثر مما له ، وصفات الله متناهية في الكمال ، لا يمكن المبالغة فيها ، والمبالغة أيضا تكون في صفات تقبل الزيادة والنقصان ، وصفات الله تعالى منزهة عن ذلك .
انتهى .
وذكر هذا للشيخ
ابن الحسن السبكي فاستحسنه ، وقال : إنه صحيح إذا قلنا : إنها صفات .
فإن قلنا : أعلام ; زال ذلك .
قلت : والتحقيق أن صيغ المبالغة على قسمين .
أحدهما : ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل .
والثاني : بحسب تعدد المفعولات .
ولا شك أن تعددها لا يوجب للفعل زيادة ; إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين .
وعلى هذا التقسيم يجب تنزيل جميع أسماء الله تعالى التي وردت على صيغة المبالغة ; كالرحمن والغفور والتواب ونحوها ، ولا يبقى إشكال حينئذ ; لهذا قال بعض المفسرين في حكيم : معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في سورة الحجرات : المبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب إليه من عباده ، أو لأنه بليغ في قبول التوبة ، نزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه .
[ ص: 83 ] وقد أورد بعض الفضلاء سؤالا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284والله على كل شيء قدير ( البقرة : 284 ) وهو أن " قديرا " من صيغ المبالغة يستلزم الزيادة على معنى " قادر " ، والزيادة على معنى " قادر " محال ; إذ الاتحاد من واحد لا يمكن فيه التفاضل باعتبار كل فرد فرد .
وأجيب عنه بأن المبالغة لما لم يقدر على حملها كل فرد وجب صرفها إلى مجموع الأفراد التي دل السياق عليها ، والمبالغة إذن بالنسبة إلى تكثير التعلق لا بالنسبة إلى تكثير الوصف .
وكذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282والله بكل شيء عليم ( البقرة : 282 ) يستحيل عود المبالغة إلى نفس الوصف ; إذ العلم بالشيء لا يصح التفاوت فيه ، فيجب صرف المبالغة فيه إلى المتعلق ، إما لعموم كل أفراده ، وإما لأن يكون المراد الشيء ولواحقه ، فيكون من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل .
الثاني : سئل
أبو علي الفارسي : هل تدخل المبالغة في صفات الله تعالى فيقال : " علامة " ؟ فأجاب بالمنع ; لأن الله تعالى ذم من نسب إليه الإناث لما فيه من النقص ، فلا يجوز إطلاق اللفظ المشعر بذلك .
حكاه
الجرجاني في " شرح الإيضاح " .
الثالث : أنه لو جرد عن الألف واللام لم يصرف ; لزيادة الألف والنون في آخره مع العلمية أو الصفة .
وأورد
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بأنه لا يمنع " فعلان " صفة من الصرف إلا إذا كان مؤنثه " فعلى " كغضبان وغضبى ، وما لم يكن مؤنثه " فعلى " ينصرف كندمان وندمانة ، وتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر بأن " رحمن " - وإن لم يكن له مؤنث على فعلى - فليس له مؤنث على
[ ص: 84 ] " فعلانة " ; لأنه اسم مختص بالله تعالى فلا مؤنث له من لفظه ، فإذا عدم ذلك رجع فيه إلى القياس ، وكل ألف ونون زائدتان فهما محمولتان على منع الصرف .
قال
الجويني : وهذا فيه ضعف في الظاهر ، وإن كان حسنا في الحقيقة ; لأنه إذا لم يشبه " غضبان " ولم يشبه " ندمان " من جهة التأنيث فلماذا ترك صرفه مع أن الأصل الصرف ؟ ! بل كان ينبغي أن يقال : ليس هو كغضبان ; فلا يكون غير منصرف ، ولا يصح أن يقال : ليس هو كندمان فلا يكون منصرفا ; لأن الصرف ليس بالشبه ، إنما هو بالأصل ، وعدم الصرف بالشبه ولم يوجد .
قلت : والتقدير الذي نقلناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر يدفع هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، نعم أنكر
ابن مالك على
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب تمثيله بـ " الرحمن " لزيادة الألف والنون في منع الصرف وقال : لم يمثل به غيره ، ولا ينبغي التمثيل به ، فإنه اسم علم بالغلبة لله تعالى مختص به ، وما كان كذلك لم يجرد من " ال " ولم يسمع مجردا إلا في النداء قليلا مثل : يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .
قال : وقد أنكر على
الشاطبي ، رحمه الله :
تبارك رحمانا رحيما وموئلا
لأنه أراد الاسم المستعمل بالغلبة .
ولم يحضر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هذا الجواب ; فذكر أنه من تعنتهم في كفرهم كما سبق .
وأما " فعيل " فعند النحاة أنه من صيغ المبالغة والتكرار ; كرحيم وسميع ، وقدير ، وخبير ، وحفيظ ، وحكيم ، وحليم ، وعليم ; فإنه محول عن فاعل بالنسبة ، وهو إنما يكون كذلك للفاعل لا للمفعول به ، بدليل قولهم : قتيل وجريح ، والقتل لا يتفاوت .
[ ص: 85 ] وقد يجيء في معنى الجمع كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وحسن أولئك رفيقا ( النساء : 69 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4والملائكة بعد ذلك ظهير ( التحريم : 4 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80خلصوا نجيا ( يوسف : 80 ) وغير ذلك .
ومن المشكل :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما كان ربك نسيا ( مريم : 64 ) فإن النفي متوجه على الخبر وهو صيغة مبالغة ، ولا يلزم من نفي المبالغة نفي أصل الفعل ، فلا يلزم نفي أصل النسيان ، وهو كالسؤال الآتي في ( ظلام للعبيد ) .
ويجاب عنه بما سيأتي من الأجوبة ، ويختص هذا بجواب آخر ; وهو مناسبة رءوس الآي قبله .
وأما فعال فنحو : غفار ، ومنان ، وتواب ، ووهاب
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=16فعال لما يريد ( البروج : 16 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116علام الغيوب ( المائدة : 116 ) ونحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5لكل صبار شكور ( إبراهيم : 5 ) ونحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=16نزاعة للشوى ( المعارج : 16 ) .
ومن المشكل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46وما ربك بظلام للعبيد ( فصلت : 46 ) وتقريره أنه لا يلزم من نفي الظلم بصيغة المبالغة نفي أصل الظلم ، والواقع نفيه قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=44إن الله لا يظلم الناس شيئا ( يونس : 44 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( النساء : 40 ) .
وقد أجيب عنه باثني عشر جوابا : أحدها : أن " ظلاما " وإن كان يراد به الكثرة لكنه جاء في مقابله " العبيد " وهو جمع كثرة إذا قوبل بهم الظلم كان كثيرا .
ويرشح هذا الجواب أنه سبحانه وتعالى قال في موضع آخر :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116علام الغيوب ( المائدة : 116 ) فقابل صيغة " فعال " بالجمع وقال في موضع آخر :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=26عالم الغيب ( الجن : 26 ) فقابل صيغة " فاعل " الدالة على أصل الفعل بالواحد .
[ ص: 86 ] وهذا قريب من الجواب عن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ( النساء : 172 ) حيث احتج به
المعتزلة على تفضيل الملائكة على الأنبياء .
وجوابه أنه قابل
عيسى بمفرده بمجموع الملائكة ، وليس النزاع في تفضيل الجمع على الواحد .
الثاني : أنه نفى الظلم الكثير ، فينتفي القليل ضرورة ; لأن القليل الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم ، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة ظلمه في حق من يجوز عليه النفع والضر كان الظلم القليل في المنفعة أكثر .
الثالث : أنه على النسب ، واختاره
ابن مالك ، وحكاه في " شرح الكافية " عن المحققين ، أي : ذا ظلم ، كقوله :
وليس بنبال
أي بذي نبل ، أي : لا ينسب إلى الظلم فيكون من باب : بزاز وعطار .
الرابع : أن فعالا قد جاء غير مراد به الكثرة كقول طرفة :
ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترفد القوم أرفد
[ ص: 87 ] لا يريد أنه يحل التلاع قليلا ; لأن ذلك يدفعه قوله : "
يسترفد القوم أرفد
" هذا بدل على نفي الحال في كل حال ; لأن تمام المدح لا يصل بإيراد الكثرة .
الخامس : أن أقل القليل لو ورد منه سبحانه - وقد جل عنه - لكان كثيرا ; لاستغنائه عنه ، كما يقال : " زلة العالم كبيرة " .
ذكره
الحريري في " الدرة " قال : وإليه أشار
المخزومي في قوله :
كفوفة الظفر تخفى من حقارتها ومثلها في سواد العين مشهور
السادس : أن نفي المجموع يصدق بنفي واحد ، ويصدق بنفي كل واحد ، ويعين الثاني في الآية للدليل الخارجي ، وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( النساء : 40 ) .
السابع : أنه أراد : " ليس بظالم ، ليس بظالم ، ليس بظالم " فجعل في مقابله ذلك :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46وما ربك بظلام ( فصلت : 46 ) .
الثامن : أنه جواب لمن قال : ظلام ، والتكرار إذا ورد جوابا لكلام خاص لم يكن له مفهوم ، كما إذا خرج مخرج الغالب .
التاسع : أنه قال : " بظلام " ; لأنه قد يظن أن من يعذب غيره عذابا شديدا ظلام قبل الفحص عن جرم الذنب .
[ ص: 88 ] العاشر : أنه لما كان صفات الله تعالى صيغة المبالغة فيها وغير المبالغة سواء في الإثبات جرى النفي على ذلك .
الحادي عشر : أنه قصد التعريض بأن ثمة ظلاما للعبيد من ولاة الجور .
وأما " فعال " بالتخفيف والتشديد نحو عجاب وكبار ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5إن هذا لشيء عجاب ( ص : 5 ) وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=22ومكروا مكرا كبارا ( نوح : 22 ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11880المعري في " اللامع العزيزي " : " فعيل " إذا أريد به المبالغة نقل به إلى " فعال " وإذا أريد به الزيادة شددوا فقالوا : " فعال " ، ذلك من عجيب وعجاب وعجاب ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14510أبو عبد الرحمن السلمي :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5إن هذا لشيء عجاب ( ص : 5 ) بالتشديد ، وقالوا : طويل وطوال ، ويقال : نسب قريب وقراب ، وهو أبلغ ; قال
الحارث بن ظالم :
وكنت إذا رأيت بني لؤي عرفت الود والنسب القرابا
وأما " فعول " : كغفور وشكور وودود فمنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34إن الإنسان لظلوم كفار ( إبراهيم : 34 ) .
وقوله تعالى في نوح :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3إنه كان عبدا شكورا ( الإسراء : 3 ) .
وقد أطربني قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=13وقليل من عبادي الشكور ( سبأ : 13 ) فقلت : الحمد لله الذي ما قال " الشاكر " .
فإن قيل : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ( الإنسان : 3 ) كيف غاير بين الصفتين وجعل المبالغة من جانب الكفران ؟
[ ص: 89 ] قلت : هذا سأله
nindex.php?page=showalam&ids=14620الصاحب بن عباد للقاضي
عبد الجبار بن أحمد المعتزلي ، فأجاب بأن نعم الله على عباده كثيرة ، وكل شكر يأتي في مقابلتها قليل ، وكل كفر يأتي في مقابلتها عظيم ، فجاء " شكور " بلفظ " فاعل " ، وجاء " كفور " بلفظ " فعول " على وجه المبالغة ، فتهلل وجه الصاحب .
وأما فعل فقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56وإنا لجميع حاذرون ( الشعراء : 56 ) .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=25كذاب أشر ( القمر : 25 ) قرن " فعلا " بفعال .
وأما فعل : فيكون صفة ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=6أهلكت مالا لبدا ( البلد : 6 ) اللبد : الكثير .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=35إنها لإحدى الكبر ( المدثر : 35 ) .
ويكون مصدرا كهدى وتقى ، ويكون معدولا عن أفعل من كذا كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وأخر متشابهات ( آل عمران : 7 ) وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184فعدة من أيام أخر ( البقرة : 184 ) كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ( الأنعام : 19 ) .
وأما فعلى : فيكون اسما ، كالشورى والرجعى ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8إن إلى ربك الرجعى ( العلق : 8 ) وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وكلمة الله هي العليا ( التوبة : 40 ) .
ويكون صفة كالحسنى في تأنيث الأحسن ، والسوءى في تأنيث الأسوأ ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=10ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله ( الروم : 10 ) .
قال
الفارسي : يحتمل السوأى تأويلين .
أحدهما : أن يكون تأنيث " الأسوأ " والمعنى كان عاقبتهم لخلة السوأى ، فتكون " السوأى " على هذا خارجة من الصلة ، فتنصب على الموضع ، وموضع " أن "
[ ص: 90 ] نصب ، فإنه مفعول له ، أي : كان عاقبتهم الخصلة السوأى لتكذيبهم .
الثاني : أن يكون السوأى مصدرا مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8الرجعى ، وعلى هذا فهي داخلة في الصلة ، ومنتصبة بأساءوا ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وتبتل إليه تبتيلا ( المزمل : 8 ) ويكون أن كذبوا نصبا ; لأنه خبر كان .
ويجوز في إعراب " السوأى " وجه ثالث ; وهو أن يكون في موضع رفع صفة " العاقبة " وتقديرها : ثم كان عاقبتهم المذمومة التكذيب .
و " الفعلى " في هذا الباب - وإن كانت في الأصل صفة ، بدليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42وهم بالعدوة القصوى ( الأنفال : 42 ) وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=20فأراه الآية الكبرى ( النازعات : 20 ) ، فجرت صفة على موصوفها - فإنها في كثير من الأمور تجرى مجرى الأسماء ; كالأبطح والأجرع والأدهم .
الْقِسْمُ الْعَاشِرُ
nindex.php?page=treesubj&link=28914تَجِيءُ اللَّفْظَةُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ بِصِيَغٍ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ [ ص: 77 ] كَفَعَّالٍ وَفَعِيلٍ وَفَعْلَانٍ ; فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ " فَاعِلٍ " .
وَيَجُوزُ أَنْ يُعَدَّ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِصَارِ ; فَإِنَّ أَصْلَهُ وُضِعَ لِذَلِكَ ، فَإِنَّ " ضَرُوبًا " نَابَ عَنْ قَوْلِكَ : " ضَارِبٌ وَضَارِبٌ وَضَارِبٌ " .
أَمَّا " فَعْلَانُ " فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ " فَعِيلٍ " ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ : الرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ - وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ " فَعِيلٍ " - مِنْ جِهَةِ أَنْ " فَعْلَانِ " مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ ; كَغَضْبَانَ لِلْمُمْتَلِئِ غَضَبًا ; وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِهِ ، وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ فِي تَأْلِيفِهِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ .
وَأَمَّا قَوْلُ شَاعِرِ
الْيَمَامَةِ :
وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْتَ رَحْمَانَا
فَهُوَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ ، كَذَا أَجَابَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ .
وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّعَنُّتَ لَا يَدْفَعُ وُقُوعَ إِطْلَاقِهِمْ ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ السَّبَبَ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَإِنَّمَا الْجَوَابُ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا الرَّحْمَنَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ; وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلُوهُ مُضَافًا وَمُنَكَّرًا ، وَكَلَامُنَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ .
وَأَجَابَ
ابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّ الشَّاعِرَ أَرَادَ : " لَا زِلْتَ ذَا رَحْمَةٍ " وَلَمْ يُرِدْ الِاسْمَ الْمُسْتَعْمَلَ بِالْغَلَبَةِ .
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْرِفُ هَذَا الِاسْمَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
[ ص: 78 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ( الْإِسْرَاءِ : 110 ) وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ ( الْفُرْقَانِ : 60 ) فَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : إِنَّمَا جَهِلُوا الصِّفَةَ دُونَ الْمَوْصُوفِ ; وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا : " وَمَنِ الرَّحْمَنُ ؟ " .
وَذَكَرَ
الْبُرْزَابَاذَانِيُّ أَنَّهُمْ غَلِطُوا فِي تَفْسِيرِ " الرَّحْمَنِ " حَيْثُ جَعَلُوهُ بِمَعْنَى الْمُتَّصِفِ بِالرَّحْمَةِ .
قَالَ : وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ الْعَادِلُ ; بِدَلِيلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=26الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ( الْفُرْقَانِ : 26 ) إِذِ الْمُلْكُ يَسْتَدْعِي الْعَظَمَةَ وَالْقُدْرَةَ وَالرَّحْمَةَ لِخَلْقِهِ ; لَا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ( الْفُرْقَانِ : 60 ) وَإِنَّمَا يَصْلُحُ السُّجُودُ لِمَنْ لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ ( مَرْيَمَ : 18 ) وَلَا يُعَاذُ إِلَّا بِالْعَظِيمِ الْقَادِرِ عَلَى الْحِفْظِ وَالذَّبِّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ( مَرْيَمَ : 92 ) أَيْ : وَمَا يَنْبَغِي لِلْعَظِيمِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، الْمُسْتَغْنِي عَنْ مُعَاوَنَةِ الْوَالِدِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ( النَّبَأِ : 37 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=108وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ( طه : 108 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=42قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ( الْأَنْبِيَاءِ : 42 ) وَلَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى حَافِظٍ يَحْفَظُهُمْ مِنْ ذِي الرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ( مَرْيَمَ : 93 ) .
[ ص: 79 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ( مَرْيَمَ : 45 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ ( الْأَنْبِيَاءِ : 112 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=33مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ( ق : 33 ) .
وَلَا مُنَاسَبَةَ لِمَعْنَى الرَّحْمَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ، وَأَمَّا " رَحِيمٌ " فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، كَقَوْلِهِمْ : " كَرِيمٌ " .
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ " الرَّحْمَنَ " أَبْلَغُ ذَهَبَ إِلَيْهِ
أَبُو عُبَيْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " التَّكْمِيلِ وَالْإِفْهَامِ " عَنِ الْأَكْثَرِينَ .
وَفِي كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ مَا يُفْهِمُ حِكَايَةَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ ، وَنَصَرَهُ
السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى لَفْظِ التَّنْبِيهِ ، وَالتَّنْبِيهُ تَضْعِيفٌ ، وَكَأَنَّ الْبِنَاءَ تَضَاعَفَتْ فِيهِ الصِّفَةُ .
وَقَالَ
قُطْرُبٌ : الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ ; وَإِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْآيَةِ لِلتَّوْكِيدِ .
وَكَذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فَوْرَكٍ ، قَالَ : وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ " رَحِيمًا " أَبْلَغُ بِجَيِّدٍ ; إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُبَالَغَةِ ، وَلَوْ قِيلَ : " فَعْلَانٌ " أَشَدُّ مُبَالَغَةً كَانَ أَوْلَى ، وَلِهَذَا خُصَّ بِاللَّهِ ; فَلَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ : الرَّحْمَنُ اسْمٌ مَمْنُوعٌ ; وَأَرَادَ بِهِ مَنْعَ الْخَلْقِ أَنْ يَتَّسِمُوا بِهِ ، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْكَلَامِ إِلَّا التَّوْكِيدُ وَإِتْبَاعُ الْأَوَّلِ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الثَّانِي .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : " هُمَا اسْمَانِ رَقِيقَانِ ; أَحَدُهُمَا أَرَقُّ مِنَ الْآخَرِ " .
[ ص: 80 ] وَعَنِ
الْخَطَّابِيِّ اسْتِشْكَالُ هَذَا ، وَقَالَ : لَعَلَّهُ أَرْفَقُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018686إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي " الزَّاهِرِ " : الرَّحِيمُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحْمَنِ .
وَرَجَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ بِوُجُوهٍ مِنْهَا : أَنَّ الرَّحْمَنَ جَاءَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الرَّحِيمِ ، وَلَوْ كَانَ أَبْلَغُ لَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ ; لِأَنَّهُمْ فِي كَلَامِهِمْ إِنَّمَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى فَيَقُولُونَ : فَقِيهٌ عَالِمٌ ، وَشُجَاعٌ بَاسِلٌ ، وَجَوَادٌ فَيَّاضٌ ، وَلَا يَعْكِسُونَ هَذَا لِفَسَادِ الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ الْأَبْلَغُ لَكَانَ الثَّانِي دَاخِلًا تَحْتَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ مَعْنًى .
وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِرْدَافِ ، وَأَنَّهُ أَرْدَفَ الرَّحْمَنَ الَّذِي يَتَنَاوَلُ جَلَائِلَ النِّعَمِ وَأُصُولَهَا بِالرَّحِيمِ ; لِيَكُونَ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ ; لِيَتَنَاوَلَ مَا رَقَّ مِنْهَا وَلَطَفَ .
وَفِيهِ ضَعْفٌ ; لَا سِيَّمَا إِذَا قُلْنَا : إِنَّ الرَّحْمَنَ عَلَمٌ لَا صِفَةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ
الْأَعْلَمِ وَابْنِ مَالِكٍ ، وَأَجَابَ
الْوَاحِدِيُّ فِي " الْبَسِيطِ " بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّحْمَنُ كَالْعَلَمِ - إِذْ لَا يُوصَفُ بِهِ إِلَّا اللَّهُ -
[ ص: 81 ] قُدِّمَ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْأَعْلَامِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَعَارِفِ أَنْ يُبْدَأَ بِهَا ثُمَّ يُتْبَعَ الْأَنْكَرَ ، وَمَا كَانَ فِي التَّعْرِيفِ أَنْقَصُ .
قَالَ : وَهَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ مِنَ النَّحْوِيِّينَ ، فَجَاءَ هَذَا عَلَى مِنْهَاجِ كَلَامِ الْعَرَبِ .
وَأَجَابَ
الْجُوَيْنِيُّ بِأَنَّ الرَّحْمَنَ لِلْخَلْقِ ، وَالرَّحِيمَ لَهُمْ بِالرِّزْقِ ، وَالْخَلْقُ قَبْلَ الرِّزْقِ .
وَمِنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي حَقِّهِ ، وَالنِّهَايَةُ فِي صِفَاتِهِ ، وَأَكْثَرُ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ جَارِيَةٌ عَلَى " فَعِيلٍ " كَرَحِيمٍ ، وَقَدِيرٍ ، وَعَلِيمٍ ، وَحَكِيمٍ ، وَحَلِيمٍ ، وَكَرِيمٍ ، وَلَمْ يَأْتِ عَلَى " فَعْلَانٍ " إِلَّا قَلِيلٌ ، وَلَوْ كَانَ " فَعْلَانٌ " أَبْلَغَ لَكَانَ صِفَاتُ الْبَارِي تَعَالَى عَلَيْهِ أَكْثَرَ .
قُلْتُ : وَجَوَابُ هَذَا أَنَّ وُرُودَ " فَعْلَانٍ " بِصِيغَةِ التَّكْثِيرِ كَانَ فِي عَدَمِ تَكْرَارِ الْوَصْفِ بِهِ ، بِخِلَافِ " فَعِيلٍ " فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَرِقَّ فِي الْكَثْرَةِ رِقَّتَهُ كَثُرَ فِي مَجِيءِ الْوَصْفِ .
وَمِنْهَا أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْمُبَالَغَةُ فِي " فَعْلَانٍ " مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ التَّثْنِيَةِ - كَمَا زَعَمَ
السُّهَيْلِيُّ - فَفَعِيلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ جَمْعِ الْكَثْرَةِ كَعَبِيدٍ وَكَلِيبٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ أَكْثَرُ مِنَ التَّثْنِيَةِ ، وَهَذَا أَحْسَنُهَا .
قَالَ : وَقَوْلُ
قُطْرُبٍ : " إِنَّهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ " فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَسَاوَيَا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ .
تَنْبِيهَاتٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28723_28914صِيَغُ الْمُبَالَغَةِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ الْأَوَّلُ : نُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ
بُرْهَانِ الدِّينِ الرَّشِيدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي
[ ص: 82 ] هِيَ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ كَغَفَّارٍ وَرَحِيمٍ وَغَفُورٍ وَمَنَّانٍ كُلُّهَا مَجَازٌ ; إِذْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَلَا مُبَالَغَةَ فِيهَا ; لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ هِيَ أَنْ تُثْبِتَ لِلشَّيْءِ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ ، وَصِفَاتُ اللَّهِ مُتَنَاهِيَةٌ فِي الْكَمَالِ ، لَا يُمْكِنُ الْمُبَالَغَةُ فِيهَا ، وَالْمُبَالَغَةُ أَيْضًا تَكُونُ فِي صِفَاتٍ تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، وَصِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ .
انْتَهَى .
وَذُكِرَ هَذَا لِلشَّيْخِ
ابْنِ الْحَسَنِ السُّبْكِيِّ فَاسْتَحْسَنَهُ ، وَقَالَ : إِنَّهُ صَحِيحٌ إِذَا قُلْنَا : إِنَّهَا صِفَاتٌ .
فَإِنْ قُلْنَا : أَعْلَامٌ ; زَالَ ذَلِكَ .
قُلْتُ : وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ صِيَغَ الْمُبَالَغَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : مَا تَحْصُلُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْفِعْلِ .
وَالثَّانِي : بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْمَفْعُولَاتِ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعَدُّدَهَا لَا يُوجِبُ لِلْفِعْلِ زِيَادَةً ; إِذِ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُتَعَدِّدِينَ .
وَعَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ يَجِبُ تَنْزِيلُ جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي وَرَدَتْ عَلَى صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ ; كَالرَّحْمَنِ وَالْغَفُورِ وَالتَّوَّابِ وَنَحْوِهَا ، وَلَا يَبْقَى إِشْكَالٌ حِينَئِذٍ ; لِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي حَكِيمٍ : مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ تَكْرَارُ حِكَمِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرَائِعِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ : الْمُبَالَغَةُ فِي التَّوَّابِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَثْرَةِ مَنْ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ ، أَوْ لِأَنَّهُ بَلِيغٌ فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ ، نَزَّلَ صَاحِبَهَا مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ لِسِعَةِ كَرَمِهِ .
[ ص: 83 ] وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ سُؤَالًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( الْبَقَرَةِ : 284 ) وَهُوَ أَنَّ " قَدِيرًا " مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ يَسْتَلْزِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَعْنَى " قَادِرٍ " ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى مَعْنَى " قَادِرٍ " مُحَالٌ ; إِذْ الِاتِّحَادُ مِنْ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ لَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهَا كُلُّ فَرْدٍ وَجَبَ صَرْفُهَا إِلَى مَجْمُوعِ الْأَفْرَادِ الَّتِي دَلَّ السِّيَاقُ عَلَيْهَا ، وَالْمُبَالَغَةُ إِذَنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَكْثِيرِ التَّعَلُّقِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَكْثِيرِ الْوَصْفِ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( الْبَقَرَةِ : 282 ) يَسْتَحِيلُ عَوْدُ الْمُبَالَغَةِ إِلَى نَفْسِ الْوَصْفِ ; إِذِ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ لَا يَصِحُّ التَّفَاوُتُ فِيهِ ، فَيَجِبُ صَرْفُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ إِلَى الْمُتَعَلِّقِ ، إِمَّا لِعُمُومِ كُلِّ أَفْرَادِهِ ، وَإِمَّا لِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الشَّيْءَ وَلَوَاحِقَهُ ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ .
الثَّانِي : سُئِلَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : هَلْ تَدْخُلُ الْمُبَالَغَةُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقَالُ : " عَلَّامَةٌ " ؟ فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ مَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ الْإِنَاثَ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّقْصِ ، فَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْمُشْعِرِ بِذَلِكَ .
حَكَاهُ
الْجُرْجَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْإِيضَاحِ " .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ جُرِّدَ عَنِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لَمْ يُصْرَفْ ; لِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ فِي آخِرِهِ مَعَ الْعَلَمِيَّةِ أَوِ الصِّفَةِ .
وَأَوْرَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ " فَعْلَانٌ " صِفَةً مِنَ الصَّرْفِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُؤَنَّثُهُ " فَعَلَى " كَغَضْبَانَ وَغَضْبَى ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُؤَنَّثُهُ " فَعْلَى " يَنْصَرِفُ كَنَدْمَانٍ وَنَدْمَانَةٍ ، وَتَبِعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ بِأَنَّ " رَحْمَنَ " - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُؤَنَّثٌ عَلَى فَعْلَى - فَلَيْسَ لَهُ مُؤَنَّثٌ عَلَى
[ ص: 84 ] " فَعْلَانَةٍ " ; لِأَنَّهُ اسْمٌ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى فَلَا مُؤَنَّثَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ ، فَإِذَا عُدِمَ ذَلِكَ رَجَعَ فِيهِ إِلَى الْقِيَاسِ ، وَكُلُّ أَلِفٍ وَنُونٍ زَائِدَتَانِ فَهُمَا مَحْمُولَتَانِ عَلَى مَنْعِ الصَّرْفِ .
قَالَ
الْجُوَيْنِيُّ : وَهَذَا فِيهِ ضَعْفٌ فِي الظَّاهِرِ ، وَإِنْ كَانَ حَسَنًا فِي الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُشْبِهْ " غَضْبَانَ " وَلَمْ يُشْبِهْ " نَدْمَانَ " مِنْ جِهَةِ التَّأْنِيثِ فَلِمَاذَا تُرِكَ صَرْفُهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الصَّرْفُ ؟ ! بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : لَيْسَ هُوَ كَغَضْبَانَ ; فَلَا يَكُونُ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : لَيْسَ هُوَ كَنَدْمَانَ فَلَا يَكُونُ مُنْصَرِفًا ; لِأَنَّ الصَّرْفَ لَيْسَ بِالشَّبَهِ ، إِنَّمَا هُوَ بِالْأَصْلِ ، وَعَدَمُ الصَّرْفُ بِالشَّبَهِ وَلَمْ يُوجَدْ .
قُلْتُ : وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنِ عَسَاكِرَ يَدْفَعُ هَذَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ ، نَعَمْ أَنْكَرَ
ابْنُ مَالِكٍ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنِ الْحَاجِبِ تَمْثِيلَهُ بِـ " الرَّحْمَنِ " لِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ فِي مَنْعِ الصَّرْفِ وَقَالَ : لَمْ يُمَثِّلْ بِهِ غَيْرُهُ ، وَلَا يَنْبَغِي التَّمْثِيلُ بِهِ ، فَإِنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ بِالْغَلَبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى مُخْتَصٌّ بِهِ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُجَرَّدْ مِنْ " الْ " وَلَمْ يُسْمَعْ مُجَرَّدًا إِلَّا فِي النِّدَاءِ قَلِيلًا مِثْلُ : يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ .
قَالَ : وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَى
الشَّاطِبِيِّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ :
تَبَارَكَ رَحْمَانًا رَحِيمًا وَمَوْئِلًا
لِأَنَّهُ أَرَادَ الِاسْمَ الْمُسْتَعْمَلَ بِالْغَلَبَةِ .
وَلَمْ يَحْضُرِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ هَذَا الْجَوَابُ ; فَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ كَمَا سَبَقَ .
وَأَمَّا " فَعِيلٌ " فَعِنْدَ النُّحَاةِ أَنَّهُ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْرَارِ ; كَرَحِيمٍ وَسَمِيعٍ ، وَقَدِيرٍ ، وَخَبِيرٍ ، وَحَفِيظٍ ، وَحَكِيمٍ ، وَحَلِيمٍ ، وَعَلِيمٍ ; فَإِنَّهُ مُحَوَّلٌ عَنْ فَاعِلٍ بِالنِّسْبَةِ ، وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لِلْفَاعِلِ لَا لِلْمَفْعُولِ بِهِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ : قَتِيلٌ وَجَرِيحٌ ، وَالْقَتْلُ لَا يَتَفَاوَتُ .
[ ص: 85 ] وَقَدْ يَجِيءُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ( النِّسَاءِ : 69 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ( التَّحْرِيمِ : 4 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80خَلَصُوا نَجِيًّا ( يُوسُفَ : 80 ) وَغَيْرُ ذَلِكَ .
وَمِنَ الْمُشْكَلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ( مَرْيَمَ : 64 ) فَإِنَّ النَّفْيَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْخَبَرِ وَهُوَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمُبَالَغَةِ نَفْيُ أَصْلِ الْفِعْلِ ، فَلَا يَلْزَمُ نَفْيُ أَصْلِ النِّسْيَانِ ، وَهُوَ كَالسُّؤَالِ الْآتِي فِي ( ظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) .
وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَيَأْتِي مِنَ الْأَجْوِبَةِ ، وَيَخْتَصُّ هَذَا بِجَوَابٍ آخَرَ ; وَهُوَ مُنَاسَبَةُ رُءُوسِ الْآيِ قَبْلَهُ .
وَأَمَّا فَعَّالٌ فَنَحْوَ : غَفَّارٍ ، وَمَنَّانٍ ، وَتَوَّابٍ ، وَوَهَّابٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=16فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ( الْبُرُوجِ : 16 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116عَلَّامُ الْغُيُوبِ ( الْمَائِدَةِ : 116 ) وَنَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( إِبْرَاهِيمَ : 5 ) وَنَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=16نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ( الْمَعَارِجِ : 16 ) .
وَمِنَ الْمُشْكَلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ( فُصِّلَتْ : 46 ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الظُّلْمِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ نَفْيُ أَصْلِ الظُّلْمِ ، وَالْوَاقِعُ نَفْيُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=44إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ( يُونُسَ : 44 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ( النِّسَاءِ : 40 ) .
وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ جَوَابًا : أَحَدُهَا : أَنَّ " ظَلَّامًا " وَإِنْ كَانَ يُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ لَكِنَّهُ جَاءَ فِي مُقَابِلِهِ " الْعَبِيدُ " وَهُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ إِذَا قُوبِلَ بِهِمُ الظُّلْمُ كَانَ كَثِيرًا .
وَيُرَشِّحُ هَذَا الْجَوَابَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116عَلَّامُ الْغُيُوبِ ( الْمَائِدَةِ : 116 ) فَقَابَلَ صِيغَةَ " فَعَّالٍ " بِالْجَمْعِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=26عَالِمُ الْغَيْبِ ( الْجِنِّ : 26 ) فَقَابَلَ صِيغَةَ " فَاعِلٍ " الدَّالَّةَ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِالْوَاحِدِ .
[ ص: 86 ] وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ( النِّسَاءِ : 172 ) حَيْثُ احْتَجَّ بِهِ
الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ .
وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَابَلَ
عِيسَى بِمُفْرَدِهِ بِمَجْمُوعِ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي تَفْضِيلِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ نَفَى الظُّلْمَ الْكَثِيرَ ، فَيَنْتَفِي الْقَلِيلُ ضَرُورَةً ; لِأَنَّ الْقَلِيلَ الَّذِي يَظْلِمُ إِنَّمَا يَظْلِمُ لِانْتِفَاعِهِ بِالظُّلْمِ ، فَإِذَا تَرَكَ الظُّلْمَ الْكَثِيرَ مَعَ زِيَادَةِ ظُلْمِهِ فِي حَقِّ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ كَانَ الظُّلْمُ الْقَلِيلُ فِي الْمَنْفَعَةِ أَكْثَرَ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ عَلَى النَّسَبِ ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ مَالِكٍ ، وَحَكَاهُ فِي " شَرْحِ الْكَافِيَةِ " عَنِ الْمُحَقِّقِينَ ، أَيْ : ذَا ظُلْمٍ ، كَقَوْلِهِ :
وَلَيْسَ بِنَبَّالٍ
أَيْ بِذِي نُبْلٍ ، أَيْ : لَا يُنْسَبُ إِلَى الظُّلْمِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ : بَزَّازٍ وَعَطَّارٍ .
الرَّابِعُ : أَنَّ فَعَّالًا قَدْ جَاءَ غَيْرَ مُرَادٍ بِهِ الْكَثْرَةَ كَقَوْلِ طَرَفَةَ :
وَلَسْتُ بِحَلَّالِ التِّلَاعِ مَخَافَةً وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ الْقَوْمُ أَرْفِدِ
[ ص: 87 ] لَا يُرِيدُ أَنَّهُ يَحُلُّ التِّلَاعَ قَلِيلًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ : "
يَسْتَرْفِدِ الْقَوْمُ أَرْفِدِ
" هَذَا بَدَلٌ عَلَى نَفْيِ الْحَالِ فِي كُلِّ حَالٍ ; لِأَنَّ تَمَامَ الْمَدْحِ لَا يَصِلُ بِإِيرَادِ الْكَثْرَةِ .
الْخَامِسُ : أَنَّ أَقَلَّ الْقَلِيلِ لَوْ وَرَدَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ - وَقَدْ جَلَّ عَنْهُ - لَكَانَ كَثِيرًا ; لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ ، كَمَا يُقَالُ : " زَلَّةُ الْعَالِمِ كَبِيرَةٌ " .
ذَكَرَهُ
الْحَرِيرِيُّ فِي " الدُّرَّةِ " قَالَ : وَإِلَيْهِ أَشَارَ
الْمَخْزُومِيُّ فِي قَوْلِهِ :
كَفُوفَةِ الظُّفْرِ تَخْفَى مِنْ حَقَارَتِهَا وَمِثْلَهَا فِي سَوَادِ الْعَيْنِ مَشْهُورُ
السَّادِسُ : أَنَّ نَفْيَ الْمَجْمُوعِ يَصْدُقُ بِنَفْيِ وَاحِدٍ ، وَيَصْدُقُ بِنَفْيِ كُلِّ وَاحِدٍ ، وَيُعَيَّنُ الثَّانِي فِي الْآيَةِ لِلدَّلِيلِ الْخَارِجِيِّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ( النِّسَاءِ : 40 ) .
السَّابِعُ : أَنَّهُ أَرَادَ : " لَيْسَ بِظَالِمٍ ، لَيْسَ بِظَالِمٍ ، لَيْسَ بِظَالِمٍ " فَجَعَلَ فِي مُقَابِلِهِ ذَلِكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ ( فُصِّلَتْ : 46 ) .
الثَّامِنُ : أَنَّهُ جَوَابٌ لِمَنْ قَالَ : ظَلَّامٌ ، وَالتِّكْرَارُ إِذَا وَرَدَ جَوَابًا لِكَلَامٍ خَاصٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ ، كَمَا إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ .
التَّاسِعُ : أَنَّهُ قَالَ : " بِظَلَّامٍ " ; لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ مَنْ يُعَذِّبُ غَيْرَهُ عَذَابًا شَدِيدًا ظَلَّامٌ قَبْلَ الْفَحْصِ عَنْ جُرْمِ الذَّنْبِ .
[ ص: 88 ] الْعَاشِرُ : أَنَّهُ لَمَّا كَانَ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا وَغَيْرُ الْمُبَالَغَةِ سَوَاءً فِي الْإِثْبَاتِ جَرَى النَّفْيُ عَلَى ذَلِكَ .
الْحَادِي عَشَرَ : أَنَّهُ قَصَدَ التَّعْرِيضَ بِأَنَّ ثَمَّةَ ظَلَّامًا لِلْعَبِيدِ مِنْ وُلَاةِ الْجَوْرِ .
وَأَمَّا " فُعَالٌ " بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ نَحْوَ عُجَابٌ وَكُبَارٌ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( ص : 5 ) وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=22وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ( نُوحٍ : 22 ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11880الْمَعَرِّيُّ فِي " اللَّامِعِ الْعَزِيزِيِّ " : " فَعِيلٌ " إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ نُقِلَ بِهِ إِلَى " فُعَالٍ " وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الزِّيَادَةُ شَدَّدُوا فَقَالُوا : " فُعَّالٌ " ، ذَلِكَ مِنْ عَجِيبٍ وَعُجَابٍ وَعُجَّابٍ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14510أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( ص : 5 ) بِالتَّشْدِيدِ ، وَقَالُوا : طَوِيلٌ وَطُوَّالٌ ، وَيُقَالُ : نَسَبٌ قَرِيبٌ وَقُرَابٌ ، وَهُوَ أَبْلَغُ ; قَالَ
الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ :
وَكُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ بَنِي لُؤَيٍّ عَرَفْتُ الْوُدَّ وَالنَّسَبَ الْقُرَابَا
وَأَمَّا " فَعُولٌ " : كَغَفُورٍ وَشَكُورٍ وَوَدُودٍ فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ( إِبْرَاهِيمَ : 34 ) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي نُوحٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ( الْإِسْرَاءِ : 3 ) .
وَقَدْ أَطْرَبَنِي قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=13وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ( سَبَأٍ : 13 ) فَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَا قَالَ " الشَّاكِرُ " .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ( الْإِنْسَانِ : 3 ) كَيْفَ غَايَرَ بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ وَجَعَلَ الْمُبَالَغَةَ مِنْ جَانِبٍ الْكُفْرَانِ ؟
[ ص: 89 ] قُلْتُ : هَذَا سَأَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14620الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ لِلْقَاضِي
عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُعْتَزِلِيِّ ، فَأَجَابَ بِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ كَثِيرَةٌ ، وَكُلُّ شُكْرٍ يَأْتِي فِي مُقَابَلَتِهَا قَلِيلٌ ، وَكُلُّ كُفْرٍ يَأْتِي فِي مُقَابَلَتِهَا عَظِيمٌ ، فَجَاءَ " شَكُورٌ " بِلَفْظِ " فَاعِلٍ " ، وَجَاءَ " كَفُورٌ " بِلَفْظِ " فَعُولٍ " عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ ، فَتَهَلَّلَ وَجْهُ الصَّاحِبِ .
وَأَمَّا فَعِلٌ فَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ( الشُّعَرَاءِ : 56 ) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=25كَذَّابٌ أَشِرٌ ( الْقَمَرِ : 25 ) قَرَنَ " فَعِلًا " بِفَعَّالٍ .
وَأَمَّا فُعَلٌ : فَيَكُونُ صِفَةً ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=6أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا ( الْبَلَدِ : 6 ) اللُّبَدُ : الْكَثِيرُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=35إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ ( الْمُدَّثِّرِ : 35 ) .
وَيَكُونُ مَصْدَرًا كَهُدَى وَتُقَى ، وَيَكُونُ مَعْدُولًا عَنْ أَفْعُلٍ مِنْ كَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ( آلِ عِمْرَانَ : 7 ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ( الْبَقَرَةِ : 184 ) كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى ( الْأَنْعَامِ : 19 ) .
وَأَمَّا فُعْلَى : فَيَكُونُ اسْمًا ، كَالشُّورَى وَالرُّجْعَى ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ( الْعَلَقِ : 8 ) وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ( التَّوْبَةِ : 40 ) .
وَيَكُونُ صِفَةً كَالْحُسْنَى فِي تَأْنِيثِ الْأَحْسَنِ ، وَالسُّوءَى فِي تَأْنِيثِ الْأَسْوَأِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=10ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ( الرُّومِ : 10 ) .
قَالَ
الْفَارِسِيُّ : يَحْتَمِلُ السُّوأَى تَأْوِيلَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ تَأْنِيثَ " الْأَسْوَأِ " وَالْمَعْنَى كَانَ عَاقِبَتَهُمْ لِخَلَّةِ السُّوأَى ، فَتَكُونُ " السُّوأَى " عَلَى هَذَا خَارِجَةً مِنَ الصِّلَةِ ، فَتُنْصَبُ عَلَى الْمَوْضِعِ ، وَمَوْضِعُ " أَنْ "
[ ص: 90 ] نَصْبٌ ، فَإِنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ ، أَيْ : كَانَ عَاقِبَتَهُمُ الْخَصْلَةَ السُّوأَى لِتَكْذِيبِهِمْ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ السُّوأَى مَصْدَرًا مِثْلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8الرُّجْعَى ، وَعَلَى هَذَا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الصِّلَةِ ، وَمُنْتَصِبَةٌ بِأَسَاءُوا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ( الْمُزَّمِّلِ : 8 ) وَيَكُونُ أَنْ كَذَّبُوا نَصْبًا ; لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ .
وَيَجُوزُ فِي إِعْرَابِ " السُّوأَى " وَجْهٌ ثَالِثٌ ; وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةَ " الْعَاقِبَةِ " وَتَقْدِيرُهَا : ثُمَّ كَانَ عَاقِبَتُهُمُ الْمَذْمُومَةُ التَّكْذِيبَ .
وَ " الْفُعْلَى " فِي هَذَا الْبَابِ - وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ صِفَةً ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى ( الْأَنْفَالِ : 42 ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=20فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى ( النَّازِعَاتِ : 20 ) ، فَجَرَتْ صِفَةً عَلَى مَوْصُوفِهَا - فَإِنَّهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ تُجْرَى مَجْرَى الْأَسْمَاءِ ; كَالْأَبْطَحِ وَالْأَجْرَعِ وَالْأَدْهَمِ .