الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) قد ذكرنا أن لفظة سبحان علم دال على التسبيح ، وتقديره : سبح تسبيح الذي خلق الأزواج كلها ، ومعنى سبح نزه ، ووجه تعلق الآية بما قبلها هو أنه تعالى لما قال : ( أفلا يشكرون ) وشكر الله بالعبادة ، وهم تركوها ولم يقتنعوا بالترك ، بل عبدوا غيره وأتوا بالشرك ، فقال : ( سبحان الذي خلق الأزواج ) وغيره لم يخلق شيئا ، فقال أو نقول : لما بين أنهم أنكروا الآيات ولم يشكروا بين ما ينبغي أن يكون عليه العاقل ، فقال : ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها ) أو نقول : لما بين الآيات قال : ( سبحان الذي خلق ) ما ذكره عن أن يكون له شريك أو يكون عاجزا [ ص: 61 ] عن إحياء الموتى وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قوله : ( كلها ) يدل على أن أفعال العباد مخلوقة لله ؛ لأن الزوج هو الصنف ، وأفعال العباد أصناف ولها أشباه واقعة تحت أجناس الأعراض ، فتكون من الكل الذي قال الله فيها : إنه خلق الأزواج كلها ، لا يقال : مما تنبت الأرض ، يخرج الكلام عن العموم ؛ لأن من قال : أعطيت زيدا كل ما كان لي يكون للعموم إن اقتصر عليه ، فإذا قال بعده : من الثياب لا يبقى الكلام على عمومه ؛ لأنا نقول ذلك إذا كانت من لبيان التخصيص ، أما إذا كانت لتأكيد العموم فلا ، بدليل أن من قال : أعطيته كل شيء من الدواب والثياب والعبيد والجواري يفهم منه أنه يعدد الأصناف لتأكيد العموم ، ويؤيد هذا قوله تعالى في حم : ( والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) ( الزخرف : 12 ) من غير تقييد .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ذكر الله تعالى أمورا ثلاثة ينحصر فيها المخلوقات فقوله : ( مما تنبت الأرض ) يدخل فيها ما في الأرض من الأمور الظاهرة كالنبات والثمار ، وقوله : ( ومن أنفسهم ) يدخل فيها الدلائل النفسية ، وقوله : ( ومما لا يعلمون ) يدخل ما في أقطار السماوات وتخوم الأرضين ، وهذا دليل على أنه لم يذكر ذلك للتخصيص بدليل أن الأنعام مما خلقها الله والمعادن لم يذكرها ، وإنما ذكر الأشياء لتأكيد معنى العموم كما ذكرنا في المثال .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله ( ومما لا يعلمون ) فيه معنى لطيف وهو أنه تعالى إنما ذكر كون الكل مخلوقا لينزه الله عن الشريك فإن المخلوق لا يصلح شريكا للخلق ، لكن التوحيد الحقيقي لا يحصل إلا بالاعتراف بأن لا إله إلا الله ، فقال تعالى : اعلموا أن المانع من التشريك فيما تعلمون وما لا تعلمون ؛ لأن الخلق عام والمانع من الشركة الخلق ، فلا تشركوا بالله شيئا مما تعلمون فإنكم تعلمون أنه مخلوق ومما لا تعلمون ، فإنه عند الله كله مخلوق لكون كله ممكنا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية