الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا هذه حال ثالثة للحياة الزوجية، وهي حال خوف الشقاق، وهي غير حال خوف النشوز؛ لأن خوف النشوز يكون والزوجة في بيت زوجها له نوع سلطان عليها، وهناك مودة بينهما، فتكون تلك المودة من سبل العلاج، ولذلك كان من العلاج الهجر الجميل، إذ لا يصلح عقابا إلا عند قيام المحبة، أما الشقاق فإنه يكون عندما تنشعب المودة، ويكون كل واحد من الزوجين في شق، وهذه حال لا يتولى إصلاحها الزوج؛ لأن القلوب تنافر ودها، ولهذا كان العلاج لا بد أن يكون من طريق آخر، وقد بينه الله تعالى بقوله: فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها والبعث معناه: الإثارة، وهو هنا الإثارة مع التخير؛ لأنه ليس كل إنسان يصلح طبيبا معالجا للنفوس المتنافرة، والحكم من له حق الحكم والفصل، وعمل الحكم يتجه إلى أحد أمرين: أحدهما الإصلاح بينهما ورد النفوس الشاردة إلى مستقر الحياة الزوجية، وإن ذلك يقتضي [ ص: 1672 ] أن يكون عند الزوجين نية إزالة الخلاف أو على الأقل لا يمانعان فيه، ولذا قال تعالى: إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما أي: إذا كان كلا الزوجين مع وجود النفرة يرغب في إزالتها. فإن الله موفق بينهما، بأن يجعل كل قلب يلتقي مع الآخر، والتوفيق يقتضي أن يفتح كل واحد جزءا من قلبه ليدخل فيه أو يلتحم معه القلب الثاني.

                                                          والأمر الثاني التفريق بينهما، وقد كان الخلاف بين الفقهاء في جوازه، فقال أبو حنيفة والشافعي ؛ لا يجوز ذلك إلا بتوكيل من الزوج؛ لأن النص بين أن عملهما في الإصلاح، فإن عجزا عنه فقد انتهت مهمتهما، ولأن الطلاق حق الزوج وحده، ولا يتولاه غيره إلا بالنيابة عنه، وقال مالك وأحمد : لهما التفريق إن عجزا عن الإصلاح؛ لأن الله تعالى سماهما حكمين، والحكم هو الذي يحسم الخلاف، فإن عجزا عن الإصلاح حسما الخلاف بالتفريق، ولأن عليا - رضي الله عنه - عندما بعث حكمان لحسم الخلاف بين عقيل بن أبي طالب وامرأته قال: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما. وعلي أحق من فسر القرآن. وبعث الحكمين يكون بأمر القاضي، والبعث يكون عند خوف الشقاق؛ لأن الشقاق يكون بالانفصال التام، والخوف قبله. وقد ذيل الله الآية الكريمة بقوله تعالت كلماته: إن الله كان عليما خبيرا أي أنه متصف بصفة العلم الدقيق المحيط الذي يعلم أحوال النفوس وطرق علاجها، ويعلم ما يقوم به الناس، ويعلم ما تخفي الصدور، وعنده الجزاء والعقاب وهو على كل شيء قدير.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية