الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة : ( ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا ، أو ممن لم يسع مع طواف القدوم ) .

لما روى ابن عباس قال : " فلما قدمنا مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي ، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة ، وأتينا النساء ولبسنا الثياب ، وقال : من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، وإذا فرغنا من المناسك جئنا طفنا بالبيت وبالصفا والمروة ، فقدتم حجنا ، وعلينا الهدي - وذكر الحديث " رواه البخاري .

وعن عروة عن عائشة قالت : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ثم قال : من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ، ثم لا يحل منهما ، فقدمت مكة وأنا حائض ، فلما قضينا حجنا أرسلني مع عبد الرحمن بن [ ص: 548 ] أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت ، فقال : هذه مكان عمرتك ، فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ، والذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافا واحدا " متفق عليه ، وفي لفظ مسلم : " فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا واحدا " .

وهذا يدل على أن المتمتعين طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة مرتين قبل التعريف وبعده ; لأنها إنما عنت بقولها : " ثم طافوا طوافا آخر " الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ; لأنه هو المتقدم ذكره ؛ ولأن الذين جمعوا الحج والعمرة إنما اقتصروا على طواف واحد بالبيت وبين الصفا والمروة ، فأما الطواف المفرد فقد فعلوه بعد عرفة بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بعد الإفاضة ، وكان قد جمع بين العمرة والحج ، وهذا كما في حديث ابن عمر : " أنه أوجب عمرة ثم قال : ما شأن الحج والعمرة إلا واحدا ، أشهدكم أني قد جمعت حجة مع عمرتي ، وأهدى هديا مقلدا اشتراه بقديد ، وانطلق حتى قدم مكة ، فطاف بالبيت وبالصفا ولم يزد على ذلك ، ولم يحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر ، فحلق ونحر ، ورأى أنه قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، ثم قال : هكذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " متفق عليه .

فمعنى قوله : " قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، أنه قضى الطواف بالبيت وبالصفا والمروة يعني : لم يطف بالبيت وبالصفا والمروة مرتين ، ولم يرد أنه لم يطف بالبيت بعد الإفاضة ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم طاف بالبيت بعد عرفة .

ولأن طواف الإفاضة لا بد منه بإجماع المسلمين ، وإنما ذكرت هذه الأحاديث بيانا ؛ لأن القارن يجزئه طواف واحد بالبيت وبالصفا والمروة لحجه وعمرته .

[ ص: 549 ] إلا أن يكون أريد بهذين الحديثين أن القارن يجزئه طوافه بالبيت وبالصفا والمروة قبل التعريف ، فيجزئ طواف القدوم عن الركن ، وهذا لم يقله . . . .

فإن قيل : فقد قال جابر : " لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ، طوافه الأول " رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي .

وفي رواية عن جابر بن عبد الله قال : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج مع النساء والولدان ، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من لم يكن معه هدي فليحلل ، قال : فقلنا : أي الحل ؟ قال : الحل كله ، فأتينا النساء ، ولبسنا الثياب ، ومسسنا الطيب ، فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج ، وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة " رواه مسلم وأبو داود .

وهذا نص في أن المتمتع لا يطوف بالصفا والمروة إلا طوافا واحدا كالقارن والمفرد ، وقد روى أحمد ، عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن [ ص: 550 ] ابن عباس أنه كان يقول : " المفرد والقارن والمتمتع يجزئه طوافه بالبيت وسعي بين الصفا والمروة " . . . .

التالي السابق


الخدمات العلمية