الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وهذه الأسماء كلها أسماء مدح وحمد تدل على ما يحمد به، ولا يكون معناها مذموما وهي مع ذلك قد تستلزم معاني إذا أخذت مطلقة وسميت بأسمائها عمت المحمود والمذموم مثل اسمه الرحيم؛ فإنه يستلزم الإرادة فإذا أخذت الإرادة [ ص: 299 ] مطلقا، وقيل: المريد؛ فالمريد قد يريد خيرا يحمد عليه وقد يريد شرا يذم عليه، وكذلك اسمه الحكيم والصادق وغيرهما يتضمن أنه متكلم فإذا أخذ الكلام مطلقا، وقيل: متكلم؛ فالمتكلم قد يتكلم بصدق وعدل وقد يتكلم بكذب وظلم، وكذلك الاسم الأول يدل على أنه متقدم على كل شيء، فإذا أخذ معنى التقدم وقيل: قديم؛ فإنه يقال على ما تقدم على غيره، وإن تقدم غيره عليه كالعرجون القديم والإفك القديم، وكذلك اسم الحق بل وسائر الأسماء تدل على أنه بحيث يجده الواجدون، فإذا أخذ لفظ الموجود مطلقا لم يدل إلا على أنه يجده غيره لم يدل على أنه حق في نفسه، وإن لم يكن ثم غيره يجده، وكذلك إذا قيل ذات أو ثابت ونحو ذلك لم يدل إلا على القدر المشترك، لم يدل على [ ص: 300 ] خصوصية، وكذلك اسم العلي والعظيم والكبير يدل على أنه فوق العالم وأنه عظيم وكبير، وذلك يستلزم أنه مباين للعالم متحيز عنه بحده وحقيقته، فإذا أخذ اسم المتحيز ونحوه لم يدل إلا على القدر المشترك، لم يدل على ما يمدح به الرب ويتميز به عن غيره، وقد قال من قال من العلماء: إن مثل أسمائه الخافض الرافع والمعز المذل والمعطي المانع والضار النافع لا يذكر ولا يدعى بأحد الاسمين الذي هو مثل الضار والنافع والخافض؛ لأن الاسمين إذا ذكرا معا دل ذلك على عموم قدرته وتدبيره وأنه لا رب غيره، وعموم خلقه وأمره فيه مدح له وتنبيه على أن ما فعله من ضرر خاص ومنع خاص فيه حكمة ورحمة بالعموم، وإذا ذكر أحدهما لم يكن فيه هذا المدح والله له الأسماء الحسنى ليس له مثل السوء قط؛ فكذلك أيضا الأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم لا توجد في أسماء الله تعالى الحسنى [ ص: 301 ] لأنها لا تدل على ما يحمد الرب به ويمدح.

لكن مثل هذه الأسماء ومثل تلك ليس لأحد أن ينفي مضمونها أيضا فيقول: ليس بضار وخافض أو يقول: ليس بمريد ولا متكلم ولا بائن عن العالم ولا متحيز عنه ونحو ذلك؛ لأن نفي ذلك باطل، وإن كان إثباته يثبت على الوجه المتضمن مدح الله وحمده، وإذا نفاها ناف فقد تقابل ذلك النفي بالإثبات ردا لنفيه، وإن لم تذكر مطلقة في الثناء والدعاء والخبر المطلق؛ فإن هذا نوع تقييد يقصد به الرد على النافي المعطل، وهذا في الإثبات والنفي جميعا، فمن العيوب والنقائص ما لا يحسن أن يثنى على الله به ابتداء، لكن إذا وصفه به بعض المشركين نفي ذلك ردا لقولهم كمن يقول إن الله فقير ووالد ومولود أو ينام ونحو ذلك؛ فينفى عن الله الفقر والولادة [ ص: 302 ] والنوم وغير ذلك؛ فهذا أصل في التفريق بين ما ذكر من أسماء الله وصفاته مطلقا وما لا يذكر إلا مقيدا إما مقرونا بغيره وإما لمعارضة مبطل وصف الله بالباطل فـ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين [الصافات 180-182].

التالي السابق


الخدمات العلمية