الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا

استئناف ابتدائي للانتقال من بسط التذكير والاستدلال إلى فذلكة الغرض وحوصلته ، إشعارا بانتهاء المقصود وتنبيها إلى فائدته ، ووجه الانتفاع به ، والحث على التدبر فيه ، واستثمار ثمرته ، وباعتبار ما تفرع عن هذه الجملة من قوله ( فمن شاء اتخذ ) إلخ يقوى موقع الفذلكة للجملة وتأكيد الكلام بحرف ( إن ) لأن حال المخاطبين عدم اهتمامهم بها فهم ينكرون أنها تذكرة .

والإشارة إلى الآيات المتقدمة أو إلى السورة ولذلك أتي باسم الإشارة المؤنث .

والتذكرة : مصدر ذكره مثل التزكية ، أي أكلمه كلاما يذكره به ما عسى أن يكون نسيه أطلقت هنا على الموعظة بالإقلاع عن عمل سيئ والإقبال على عمل صالح وعلى وضوح الخير والشر لمن تذكر ، أي تبصر بتشبيه حالة المعرض عن الخير المشغول عنه بحالة الناسي له لأن شأنه ألا يفرط فيه إلا من كان ناسيا لما فيه من نفع له .

وفرع عليه الحث على سلوك سبيل مرضاة الله بقوله ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) ، أي ليس بعد هذه التذكرة إلا العمل بها إذا شاء المتذكر أن يعمل بها .

ففي قوله ( من شاء ) حث على المبادرة بذلك لأن مشيئة المرء في مكنته فلا يمنعه منها إلا سوء تدبيره .

وهذا حث وتحريض فيه تعريض للمشركين بأنهم أبوا أن يتذكروا عنادا وحسدا .

واتخاذ السبيل : سلوكه ، عبر عن السلوك بالاتخاذ على وجه الاستعارة بتشبيه [ ص: 412 ] ففي قوله ( اتخذ إلى ربه سبيلا ) استعارتان لأن السبيل مستعار لسبب الفوز بالنعيم والزلفى .

ويتعلق قوله ( إلى ربه ) بـ " سبيلا " ، أي سبيلا مبلغة إلى الله ، ولا يختلف العقلاء في شرف ما يوصل إلى الرب أي إلى إكرامه لأن ذلك قرارة الخيرات ولذلك عبر برب مضافا إلى ضمير ( من شاء ) إذ سعادة العبد في الحظوة عند ربه .

وهذه السبيل هي التوبة فالتائب مثل الذي كان ضالا ، أو آبقا فاهتدى إلى الطريق التي يرجع منها إلى مقصده ، أو سلك الطريق إلى مولاه .

وقد تقدم نظير هذه الآية في سورة المزمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية