الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في بيع المريض وشرائه

                                                                                                                                            وبيع المريض وشراؤه جائز إذا كان بثمن مثله ولم يدخله غبن لا يتغابن أهل المصر بمثله ، وسواء باع المريض على وارث أو غير وارث ، أو اشترى المريض من وارث أو غير وارث .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا باع المريض على وارثه كان بيعه مردودا وإن لم يكن فيه غبن ولا محاباة ؛ لأنه قد خص بعض ورثته بمال يتساوى فيه .

                                                                                                                                            وهذا فاسد ، بل بيعه عليه لازم إذا لم يكن فيه محاباة ولا غبن ؛ لأن اعتراض الورثة على المريض في المقدار لا في الأعيان ، ألا تراه لو باع أجنبيا بثمن مثله صح البيع مع انتقال العين لحصول المقدار ، ولو باعهم بأقل كان لهم فيه اعتراض لنقص المقدار .

                                                                                                                                            فأما إذا حابى المريض في بيعه بما لا يتغابن أهل المصر بمثله ، كان ذلك منه عطية في مرضه محلها الثلث إن لم ينقصه به ، وإن كان المشتري وارثا ردت المحاباة ؛ لأنها لا تجوز لوارث .

                                                                                                                                            فعلى هذا لو باع عبدا بمائة درهم والعبد يساوي مائتي درهم ، فالمائة التي هي ثمنه تقابل نصف قيمته ، فصارت المحاباة بنصفه ، فيقال للوارث لك الخيار في أن تأخذ بالمائة نصف العبد وهو قدر مثلها محاباة فيه ، ويكون النصف الآخر الذي هو المحاباة مردودا إلى [ ص: 293 ] التركة ، وإنما كان له الخيار لأنه عاقد بالمائة على جميع العبد فوصل له نصفه .

                                                                                                                                            ولو كان العبد يساوي مائة وخمسين درهما وقد باعه عليه بمائة درهم ، كان له الخيار في أحد ثلثي العبد بمائة درهم ورد ثلثه الذي هو قدر المحاباة ، أو يفسخ البيع ويسترجع المائة وله بدل الباقي للورثة قيمة ما زاد بالمحاباة من نصف أو ثلث لم يجيزوا عليه ؛ لأن العقد فيه قد بطل فلم يلزمهم أن يستأنفوا معه عقدا فيه إلا عن مراضاة ، وإنما يملك عليهم بعقد البيع ما لا محاباة فيه .

                                                                                                                                            وكان أبو القاسم الداركي يحمل صحة البيع فيما لا محاباة فيه على القول الذي يجوز فيه تفريق الصفقة ، فأما على القول الذي لا يجوز فيه تفريق الصفقة فيجعل البيع في الجميع باطلا ، وليس كما قال ؛ لأن قدر المحاباة في حكم الهبة وما لا محاباة له بيع لم تفترق صفته ، فكذلك صح العقد فيه قولا واحدا وإن ثبت فيه خيار ، وإن كان المشتري أجنبيا كان قدر المحاباة في الثلث ، فإن احتملها الثلث أمضى البيع في الجميع ، وإن عجز الثلث عنها أمضى منه قدر ما احتمله الثلث ، وعلى هذا لو باع على الأجنبي عبدا بمائة درهم والعبد يساوي مائتي درهم فالمحاباة هي نصف العبد وقيمة نصفه مائة درهم ، فإن خلف البائع مع هذا الحد مائة درهم خرجت المحاباة كلها من الثلث وأخذ المشتري العبد بمائة درهم وقدر المحاباة نصفه مائة درهم وحصل مع الورثة مائتا درهم مائة منها ثمن ومائة منها تركة وهما مثلي المحاباة ، فلو وجد المشتري بالعبد عيبا فأراد رده ، فله ذلك ويسترجع المائة التي دفعها ثمنا ، فلو قال أرد نصف المائة وآخذ نصفه بالمحاباة لم يكن له ذلك ؛ لأنها محاباة في عقد فلم يصح ثبوتها مع ارتفاع العقد .

                                                                                                                                            فأما إذا لم يخلف البائع غير العبد الذي باعه بمائة وقيمته مائتان فالمحاباة بنصفه ولزمه ثلث جميع التركة وهو ثلث العبد ، فيكون له الخيار في أن يأخذ خمسة أسداسه بالمائة ، أو يفسخ ويسترجع المائة ، وإن شئت أن تقول له مائة درهم ثمنا وله ثلث التركة وصية وذلك ستة وستون درهما وثلثا درهم يصير الجميع مائة درهم وستة وستين درهما وثلثي درهم فيأخذ من العبد بها وذلك خمسة أسداس العبد ويبقى مع ورثة البائع سدسه بثلاثة وثلاثين درهما وثلث درهم ومائة درهم ثمنا يصير الجميع مثلي ما خرج بالمحاباة .

                                                                                                                                            فلو كان البائع قد خلف سوى العبد خمسين درهما ، كان للمشتري أن يأخذ خمسة أسداسه ونصف سدسه بالمائة ؛ لأن التركة تصير مائتين وخمسين درهما ، ثلثها ثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم ، فإذا انضم إلى الثمن وهو مائة درهم وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم فيأخذ من العبد ثمنا ، فيكون ذلك مقابلا لخمسة أسداسه ونصف سدسه ويبقى مع الورثة نصف سدسه بستة عشر درهما وثلثي درهم ، وخمسون درهما تركة ومائة درهم ثمن صار الجميع مائة درهم وستة وستين درهما وثلثي درهم وذلك مثلا ما خرج بالمحاباة ، فلو كان العبد الذي باعه المريض بمائة درهم يساوي مائة وخمسين درهما صح البيع في جميعه وإن [ ص: 294 ] لم يخلف غيره ؛ لأن قدر المحاباة فيه خمسون درهما هي قدر ثلثه ، فصح جميعها ، فهذا حكم المحاباة في البيع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية