الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الدية من غير الإبل قال أبو حنيفة : " الدية من الإبل والدراهم والدنانير ، فمن الدراهم عشرة آلاف درهم ومن الدنانير ألف دينار " .

وأبو حنيفة لا يرى الدية إلا من الإبل والورق والذهب . وقال مالك والشافعي : " من الورق اثنا عشر ألفا ومن الذهب ألف دينار " . وقال مالك : " أهل الذهب أهل الشام ومصر ، وأهل الورق أهل العراق ، وأهل الإبل أهل البوادي " . وقال مالك : " ولا يقبل من أهل الإبل إلا الإبل ومن أهل الذهب إلا الذهب ومن أهل الورق إلا الورق " .

وقال [ ص: 211 ] أبو يوسف ومحمد : " الدية من الورق عشرة آلاف وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الإبل مائة بعير وعلى أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الشاء ألفا شاة وعلى أهل الحلل مائتا حلة يمانية ، ولا يؤخذ من الغنم والبقر في الدية إلا الثني فصاعدا ، ولا تؤخذ من الحلل إلا اليمانية قيمة كل حلة خمسون درهما فصاعدا " . وروي عن ابن أبي ليلى عن الشعبي عن عبيدة السلماني عن عمر : " أنه جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وعلى أهل الإبل مائة من الإبل " .

قال أبو بكر : الدية قيمة النفس ، وقد اتفق الجميع على أن لها مقدارا معلوما لا يزاد عليه ولا ينقص منه ، وأنها غير موكولة إلى اجتهاد الرأي كقيم المتلفات ومهور المثل ونحوهما ؛ وقد اتفق الجميع على إثبات عشرة آلاف واختلفوا فيما زاد ، فلم يجز إثباته إلا بتوقيف . وقد روى هشيم عن يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب قوم الإبل في الدية مائة من الإبل ، قوم كل بعير بمائة وعشرين درهما اثني عشر ألف درهم ؛ وقد روي عنه في الدية عشرة آلاف . وجائز أن يكون من روى اثني عشر ألفا على أنها وزن ستة فتكون عشرة آلاف وزن سبعة .

وذكر الحسن في هذا الحديث أنه جعل الدية من الورق قيمة الإبل لا أنه أصل في الدية ، وفي غير هذا الحديث أنه جعل الدية من الورق وروى عكرمة عن أبي هريرة في الدية عشرة آلاف درهم . فإن احتج محتج بما روى محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الدية اثنا عشر ألفا وبما روى ابن أبي نجيح عن أبيه أن عمر قضى في الدية باثني عشر ألفا ، وروى نافع بن جبير عن ابن عباس مثله ، والشعبي عن الحارث عن علي مثله . قيل له : أما حديث عكرمة فإنه يرويه ابن عيينة وغيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه ابن عباس ؛ ويقال إن محمد بن مسلم غلط في وصله

وعلى أنه لو ثبت جميع ذلك احتمل أن يريد بها اثني عشر ألف درهم وزن ستة ، وإذا احتمل ذلك لم يجز إثبات الزيادة بالاحتمال ويثبت عشرة آلاف بالاتفاق .

وأيضا قد اتفق الجميع على أنها من الذهب ألف دينار ، وقد جعل في الشرع كل عشرة دراهم قيمة لدينار ، ألا ترى أن الزكاة في عشرين مثقالا وفي مائتي درهم فجعلت مائتا الدرهم نصابا بإزاء العشرين دينارا ؟ كذلك ينبغي أن يجعل بإزاء كل دينار من الدية عشرة دراهم وإنما لم يجعل أبو حنيفة الدية من غير الأصناف [ ص: 212 ] الثلاثة من قبل أن الدية لما كانت قيمة النفس كان القياس أن لا تكون إلا من الدراهم والدنانير كقيم سائر المتلفات ، إلا أنه لما جعل النبي صلى الله عليه وسلم قيمتها من الإبل اتبع الأثر فيها ولم يوجبها من غيرها ؛ والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية