الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      ( الصمد ) ، قال عكرمة ، عن ابن عباس : يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم ، وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله - سبحانه ، هذه صفته لا تنبغي إلا له ، ليس له كفؤ ، وليس كمثله شيء ، سبحان الله الواحد القهار .

      وعن أبي وائل : الصمد الذي قد انتهى سؤدده ، ورواه عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وعن زيد بن أسلم : الصمد السيد . وقال الحسن وقتادة : هو الباقي بعد خلقه . وقال الحسن أيضا : الصمد الحي القيوم ، الذي لا زوال له . وقال عكرمة : الصمد الذي لم يخرج منه شيء ولم يطعم ، وقال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد وعبد الله بن بريدة ، وعكرمة أيضا ، وسعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطية العوفي ، والضحاك ، والسدي : الصمد [ ص: 142 ] الذي لا جوف له . وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب . وقال عبد الله بن بريدة أيضا : الصمد نور يتلألأ . قال ابن كثير رحمه الله تعالى : روى ذلك كله وحكاه ابن أبي حاتم ، والبيهقي والطبراني ، وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده ، وقال الطبراني في كتاب السنة له بعد إيراده كثيرا من هذه الأقوال في تفسير الصمد : وكل هذه صحيحة ، وهي صفات ربنا عز وجل ، وهو الذي يصمد إليه في الحوائج ، وهو الذي قد انتهى سؤدده ، وهو الصمد الذي لا جوف له ، ولا يأكل ولا يشرب ، وهو الباقي بعد خلقه . وقال البيهقي نحو ذلك .

      وقال الترمذي رحمه الله تعالى : حدثنا أحمد بن منيع ، أخبرنا أبو سعد هو الصنعاني ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى : ( قل هو الله أحد الله الصمد ) ، والصمد الذي لم يلد ولم يولد ; لأنه ليس شيء يولد إلا وسيموت ، وليس شيء سيموت إلا سيورث ، وأن الله - تعالى - لا يموت ولا يورث ، ( ولم يكن له كفوا أحد ) .

      قال : لم يكن له شبيه ولا عدل ، وليس كمثله شيء ، حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر آلهتهم ، فقالوا : انسب لنا ربك ، قال : فأتاه جبريل - عليه [ ص: 143 ] السلام - بهذه السورة ( قل هو الله أحد ) ، فذكر نحوه ولم يذكر فيه أبي بن كعب ، وهذا أصح من حديث أبي سعد ا هـ .

      قلت : وهذه السورة العظيمة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : إنها تعدل ثلث القرآن . مشتملة على توحيد الإلهية والربوبية والأسماء والصفات ، جامعة بين الإثبات لصفات الكمال وبين التنزيه له - تعالى - عن الأشباه والأمثال ، متضمنة الرد على جميع طوائف الكفر من الدهرية والوثنية ، والملاحدة من المشبهة والمعطلة ، وأهل الحلول والاتحاد ، ومن نسب له الصاحبة والولد ، وغيرهم ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، والله أعلم .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية