الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون

                                                                                                                                                                                                معنى ثم قست : استبعاد القسوة من بعد ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها، ونحوه: ثم أنتم تمترون وصفة القلوب بالقسوة والغلظ مثل لنبوها عن الاعتبار، وأن المواعظ لا تؤثر فيها، و"ذلك": إشارة إلى إحياء القتيل، أو إلى جميع ما تقدم من الآيات المعدودة.

                                                                                                                                                                                                فهي كالحجارة : فهي في قسوتها مثل الحجارة، أو أشد قسوة : منها، و"أشد" معطوف على الكاف، إما على معنى أو مثل أشد قسوة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وتعضده قراءة الأعمش بنصب الدال عطفا على الحجارة، وإما على: أو هي أنفسها أشد قسوة، والمعنى: أن من عرف حالها شبهها بالحجارة، أو بجوهر أقسى منها وهو الحديد مثلا، أو من عرفها شبهها بالحجارة، أو قال: هي أقسى من الحجارة.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: لم قيل: أشد قسوة، وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل وفعل التعجب؟ قلت: لكونه أبين وأدل على فرط القسوة، ووجه آخر، وهو أن لا يقصد معنى الأقسى، ولكن قصد وصف القسوة بالشدة، كأنه قيل: اشتدت قسوة الحجارة، وقلوبهم أشد قسوة، وقرئ: (قساوة)، وترك ضمير المفضل عليه لعدم [ ص: 287 ] الإلباس، كقولك: زيد كريم، وعمرو أكرم.

                                                                                                                                                                                                وقوله: وإن من الحجارة : بيان لفضل قلوبهم على الحجارة في شدة القسوة، وتقرير لقوله: أو أشد قسوة وقرئ: (وإن) بالتخفيف، وهي (إن): المخففة من الثقيلة التي تلزمها اللام الفارقة، ومنها قوله تعالى: وإن كل لما جميع [يس: 33]. والتفجر: التفتح بالسعة والكثرة، وقرأ مالك بن دينار : (ينفجر) بالنون، "يشقق": يتشقق، وبه قرأ الأعمش ، والمعنى: إن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير الغزير، ومنها ما ينشق انشقاقا بالطول أو بالعرض فينبع منه الماء أيضا "يهبط": يتردى من أعلى الجبل، وقرئ بضم الباء، والخشية مجاز عن انقيادها لأمر الله تعالى، وأنها لا تمتنع على ما يريد فيها، وقلوب هؤلاء لا تنقاد ولا تفعل ما أمرت به، وقرئ (يعملون) بالياء والتاء، وهو وعيد.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية